انتهت، قبل أيام، زيارة الرئيس الروسي بوتين للصين، وهي أول زيارة له منذ بدء فترة رئاسته الجديدة، والثانية خلال الثمانية أشهر الماضية، ونقلت هذه الزيارة رسالة عن البلدين؛ وهي تعزيز ما سُمي بـ«الشراكة بلا حدود»، والتي أعلن عنها قبيل بدء الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022. وأوضح الرئيسان أن هذه الشراكة مستمرة، وأن التبادل التجاري والروابط الاقتصادية في ازدياد مطّرد، ولا سيما أن التجارة بين بلديهما ازدادت بنحو 64 في المائة منذ إعلان الشراكة الاستراتيجية قبل نحو عامين. وركزت التقارير الصادرة عن هذه الزيارة على سؤال واحد؛ وهو: مَن المستفيد الأكبر من هذه الشراكة؛ هل هي روسيا أم الصين، وفيما قد يكون هذا السؤال ذا توجه غربي، إلا أنه سؤال جدير بالتأمل، ويمكن الإجابة عليه من الجانبين الاقتصادي والاستراتيجي.
فمن الجانب الاقتصادي، ومع ازدياد التجارة بين البلدين في الفترة الأخيرة، وصل التبادل التجاري إلى نحو 240 مليار دولار في عام 2023، وهو متوازن إلى حد ما بأفضلية بسيطة للجانب الروسي في الميزان التجاري، وصدّرت روسيا النفط والغاز إلى الصين بشكل أساسي، بينما غلبت السيارات على الصادرات الصينية، بالإضافة إلى الأجهزة الإلكترونية. وإجابة على السؤال المطروح، فإن للصين خيارات متعددة في استيراد النفط والغاز، بينما لا يمكن للعديد من الدول تصدير السيارات والأجهزة لروسيا، ولا سيما أن الصين لم تتأثر بالتهديدات الغربية التي قد تتأثر بها دول أخرى، ولذلك فلا يمكن لروسيا استبدال الصين في هذا الجانب، مع الأخذ بالحسبان أن الصين كذلك مستفيدة من الطاقة التي تُورّدها لها روسيا، والتي قد تصل إلى حالة إدمان على الطاقة الروسية منخفضة الثمن، كما كانت الحال في دول أوروبا قبل الحرب. وإجمالاً، وفي الوقت الحالي فإن الصين هي الشريك الأول لروسيا، بينما روسيا هي الشريك السادس للصين، ولذلك يمكن الإجابة على أن روسيا مستفيدة اقتصادياً، أكثر من الصين، من هذه الشراكة، مع تأكيد استفادة الطرفين من هذه الشراكة.
أما من الجانب الاستراتيجي فالوضع مختلف، فالقيمة الاستراتيجية لموسكو بالنسبة للرئيس الصيني شي تتعزز مع اشتداد المنافسة الجيوسياسية، وفي عالم ناشئ متعدد الأقطاب (كما يوصَف من الجانبين الروسي والصيني)، فإن وجود روسيا جوهري ولا يمكن الاستغناء عنه، وفي حال أراد الرئيس الصيني مواجهة العالم الغربي فإن روسيا لا بد منها، ولا سيما أن الصين تدرك أنه حتى لو قدمت تنازلات تجاه موقفها مع روسيا، فمن غير الأرجح أن تغير الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية من موقفها بشكل جذري تجاه الصين كمنافس، وتأتي هذه الزيارة مع التهديد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية. ولذلك فإن روسيا ضرورية للغاية في العالم متعدد الأقطاب الذي لا تهيمن عليه الولايات المتحدة، وبذلك فيمكن القول إنه من ناحية الطرفان مستفيدان بنفس الدرجة من هذه الشراكة.
ويحاول الجانب الغربي تقييم هذه العلاقة رقميّاً، مستندين إلى حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، مقارنة بمثيله مع روسيا، قائلين إن الصين لا يمكن أن تستبدل اقتصاداً حجمه 2 تريليون دولار، باقتصاد حجمه 25 تريليون دولار، والواقع أن الصين تضمن الاقتصاد الروسي في هذه الحالة - مع صغره - مقارنة بالاقتصاد الأميركي الذي ارتبط، خلال الأعوام الأخيرة، بكثير من القرارات الاقتصادية السلبية، حتى مع تعاقب الإدارات الأمريكية، بل إن الصين أصبحت مجالاً للوعود الانتخابية في الولايات المتحدة.
ولا شك أن الشراكة الروسية الصينية تشكّل هاجساً للغرب، فعندما راهن الغرب على انهيار الاقتصاد الروسي في بداية الحرب، ازدهر الاقتصاد الروسي، ولما حاول الغرب عزل روسيا، زادت شراكتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولا شك أنه لولا الصين لاختلفت حال روسيا اليوم، ولكن لا يمكن للصين التخلي عن روسيا كشريك استراتيجي في مواجهة الغرب الذي يُصرح علانية بقلقه من ازدهار الاقتصاد الصيني، وبالنظر إلى الاختيار بين شراكة الصين إما مع روسيا أو مع الغرب فإن الخيار يعد سهلاً، فروسيا - حتى مع وضعها الحالي - لا تضمر الشر للصين، كما يفعل الغرب الذي يُحسَب عليه أنه لم يتعامل مع الصين كما يجب خلال العقدين الأخيرين، ولم يتمكن من احتوائها والاستفادة من نموها الاقتصادي وقدراتها التصنيعية، بل نظر إليها شزراً بصفتها منافساً اقتصادياً، حتى لم تعد الصين تنظر إليه كشريك استراتيجي، كما تفعل اليوم مع روسيا.