سيد أحمد غزالي
رئيس وزراء الجزائر الأسبق رئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية
TT

الحقيقة التي يجب إيصالها للعرب

البحث في قضية سقوط نظام الشاه عام 1979، ليس كالبحث في أي قضية يمكن المرور عليها مرور الكرام، بل إنها ولأسباب متباينة قضية لها أبعاد وجوانب مختلفة أثّرت وتؤثر على قضية الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال كما يرى العالم جميعا تلقي بظلال تداعياتها على الأوضاع والتطورات الدائرة.
سقوط نظام الشاه الذي كان بالنسبة لشعوب المنطقة تطورا استثنائيا بنوا وعقدوا عليه الكثير من الآمال ولا سيما فيما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، لكن وبعد مرور أعوام تبين أن النظام الذي خلف نظام الشاه لم يكن أبدا بالمستوى والصورة التي رسمتها شعوب المنطقة في مخيلتها، وبالنسبة لي فقد كنت أتابع الأمور والأوضاع المتعلقة بإيران وفق هذا السياق العام، لكن وعندما تسنى لي الاتصال بالمقاومة الإيرانية قبل 15 عاما عن قرب وتعرفت عن كثب على الكثير من الأمور والتفاصيل الخاصة بالملف الإيراني، وخصوصا فيما يرتبط بمنظمة مجاهدي خلق الفصيل الرئيسي في المقاومة الإيرانية.
منظمة مجاهدي خلق التي تأسست عام 1965، تعرضت لحملة تشويه غير عادية من قبل طرفين، أحدهما المخابرات المركزية الأميركية، التي بثت إشاعات منذ عهد الشاه أن منظمة مجاهدي خلق هي منظمة شيوعية إسلامية إرهابية، أما الطرف الآخر، فقد كان نظام الملالي الذي عمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل تشويه حقيقة المنظمة وماهيتها الإنسانية، ومن هنا فقد آليت على نفسي إيصال الحقيقة للعالم عموما وللشارع العربي بشكل خاص.
تركيز نظام الشاه ومن بعده نظام الملالي على منظمة مجاهدي خلق واستهدافها، يأتي من حقيقة أن هذه المنظمة كانت تحمل مبادئ وقيما إنسانية وأخلاقية، تجعل من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مرتكزات أساسية لها، ولذلك فإنها تتقاطع وبشكل واضح مع الديكتاتورية والاستبداد، وكما التقت مصالح الشاه مع المصالح الأميركية في معاداة مجاهدي خلق، فإن مصالح نظام الملالي قد التقت أيضا مع واشنطن في هذا المجال على الرغم من الشعارات المعادية لأميركا.
في أواسط التسعينات وعقب صفقة إيرانية - أميركية تم إدراج منظمة مجاهدي خلق ضمن قائمة الإرهاب، في الوقت الذي كان هناك الكثير من الأدلة والوثائق التي تثبت أن مجاهدي خلق كانت الضحية الأولى للإرهاب، ودفعت ثمنا باهظًا من أجل ذلك، وصل إلى حد إعدام 120 ألف عضو لها خلال سنوات حكم الملالي. كما تم إعدام 30 ألفًا من السجناء السياسيين الذي كانوا يقضون فترة محكوميتهم، وذلك خلال فترة أربعة أشهر فقط في عام 1988 على أثر فتوى رجعية للخميني، كما أن المنظمة تعرضت لـ400 عملية إرهابية من جانب المخابرات الإيرانية خارج إيران، حيث تم خلالها اغتيال كثير من قادة وكوادر المنظمة في خارج إيران.
فالسؤال الذي يفرض نفسه هو، لماذا لم يتم القضاء على منظمة مجاهدي خلق طوال 50 عاما؟ کما أنني أتساءل لماذا كان نظام الملالي ولا يزال يركز على مجاهدي خلق في علاقاته الدولية والإقليمية، ويعتبر المنظمة خطا أحمر لعلاقاته السياسية والاقتصادية مع هذه الأطراف؟ والجواب يكمن في أن هذه المنظمة لم تأت لمنافسة الملالي في الحكم، ولم تتأسس في عهدهم وإنما تشكلت في عهد الشاه قبل مجيء الملالي بسنوات. وكانت تشكل القاعدة والخط الرئيسي لمقاومة نظام الشاه والسعي لإسقاطه. حتى إنني سمعت أن رفسنجاني قد قال، إنه لو كان يتحتم على الخميني أن يشرب كأس ماء فلم يكن له أن يشربها من دون إذن منظمة مجاهدي خلق. ذلك أن منظمة مجاهدي خلق لم تتأسس من أجل نيل الحكم أو خوض صراعات محددة، وإنما هي منظمة ثورية تستند على أسس ومبادئ وقيم إنسانية نبيلة هدفها الارتقاء بالشعب الإيراني وتحقيق السعادة والخير والرفاه له، وهي تؤمن أيضا وبقوة وعمق بمبدأ التعايش السلمي بين الشعوب، وضرورة أن تساهم الشعوب متكاتفة من أجل إيجاد السلام والأمن والاستقرار. إذن مشروع مجاهدي خلق ليس مشروعا للحكم في الأساس بل هو مشروع للنضال من أجل حقوق الشعب في الحرية والكرامة والديمقراطية.
ولمنظمة مجاهدي خلق موقف صارم ضد تصدير التطرف الديني والإرهاب من جانب نظام الملالي إلى الدول العربية والتدخل في شؤونها، ويعتبر هذا الموقف إحدى الأولويات التي تناضل هذه المنظمة ضدها، وتعمل من أجل فضحها، وكشف النيات الشريرة والعدوانية المبيتة خلفها، فإن ذلك يعني أنها تعتبر نفسها معنية بقضية أمن واستقرار الشعوب العربية، ومن هنا الترابط بين منظمة مجاهدي خلق والشعوب العربية. وكلما حققت المنظمة انتصارا فإنه ليس انتصارا إيرانيا فحسب، وإنما انتصار عربي إسلامي في الوقت نفسه. ولذلك فإن ضرورة انتباه العرب إلى حقيقة منظمة مجاهدي خلق، وكونها تعمل ليس من أجل مصلحة الشعب الإيراني فقط، وإنما من أجل شعوب المنطقة أيضا وعدم التأثر بالإشاعات والدعايات المغرضة الصادرة من جانب نظام الملالي أو من لف لفهم. إذ إن الوقوف مع هذه المنظمة أمر يخدم الأمن القومي العربي ويدرأ الأخطار المحدقة به.
* رئيس وزراء الجزائر الأسبق، رئيس اللجنة العربية والإسلامية للدفاع عن سكّان «أشرف».