علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

مريد سيد قطب الأكبر وهذيانه الاستخباراتي

في القصة الأولى التي رواها سيد قطب للشيخ مصطفى العالم، تعرّض للتحرش الجنسي من قِبَل فتاة أميركية هيفاء جميلة فارعة الطول شبه عارية وهو في عرض البحر على ظهر باخرة، في طريقه من الإسكندرية إلى أميركا. وفي القصة الثانية التي رواها الشيخ مصطفى العالم بضمير المتكلم، ادّعى أن فتاة أميركية صغيرة السن طاردته وهو يدرس هناك في قاعة المحاضرات وفي بيته، وحتى بعد أن انتقل إلى جامعة أخرى في مدينة أخرى، استمرّت في مطاردته، لتكون عشيقته - أو كما يقول إخواننا المصريون: «الغيرل فرند بتاعته» - ولم يستطع أن يفلت من هذه المطاردة العشقية اللعينة إلا بعد أن أنهى بعثته.
سيد قطب عاد من أميركا إلى مصر بواسطة الطائرة فـ«نظراً لحالة الأستاذ قطب الصحية، ولمناسبة انتهاء بعثته، اضطر مكتب البعثة بأميركا إلى إعادته إلى مصر بالطائرة، بعد أن كان قد حجز له مكاناً بالباخرة، إذ اتضح بعد أن فحصه الطبيب أنه لا يحتمل السفر بالبحر، بل أشار الطبيب فوق ذلك إلى أنه في حالة سفره بالطائرة يجب أن يستريح مرة أو مرتين في الطريق لمدة يومين أو ثلاثة في كل مرة» (بعثة سيد قطب، الوثائق الرسمية، تقديم ودراسة حلمي النمنم).
حسناً... إنه عاد بالطائرة وليس بالباخرة، فلو عاد بالباخرة سيخترع قصة ثالثة راودته فيها امرأة أميركية لتقاسمه السرير في رحلة الإياب.
يعلق أحد مريدي سيد قطب، واسمه محمد المنتصر الريسوني، على القصة الأولى، قصة فتاة الباخرة الأميركية، في كتابه «سيد قطب ومنهجه في التفسير» جادّاً - لا ساخراً - فيقول: «وكان في غمار الاختبار ابتلاء بعد لحظات يشبه إلى حد بعيد ابتلاء يوسف عليه السلام في القصة المعروفة بينه وبين امرأة العزيز».
إن هذا المريد لو قال إن سيد قطب استغرق كثيراً بالتأثر بإيروتيكية قصة النبي يوسف مع زوجة العزيز، زليخة، إلى حدّ أن خياله شطح، فتصور نفسه بجمال النبي يوسف الفاتن، فأوجد في الباخرة من العدم زليخةً أميركيةً تراوده عن نفسه، وظل يتمنَّع عليها تمنُّع العذراء الخفرة، ويتأبى عليها تأبي النبي الصالح يوسف، لكان أقرب إلى السداد والرشد.
ويعلّق مريد سيد قطب الأكبر صلاح عبد الفتاح الخالدي على القصة الأولى وعلى القصة الثانية وعلى قصص أخرى، بهذيان استخباراتي، فيقول: «استخدم الأميركيون إحدى ساقطاتهم لإغرائه وإغوائه وهو على ظهر الباخرة... ولكن متى؟ بعدما تقرر أن يكون جندياً لله، وبعدما تعامل مع رحمة الله الفياضة... لم تنقطع المحاولات الأميركية لإغرائه وإغوائه... مثل تلك الفتاة التي قامت بجهد كبير لغوايته ولاحقَتْه من جامعة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى. وتلك الفتاة التي ناقشته في معهد المعلمين في مدينة جريلي في كولورادو في مسائل جنسية مكشوفة. وعامل الفندق الذي عرض عليه تلبية ما يريد من نزوات جنسية طبيعية أو شاذة، وأثاره بالحديث المكشوف عن عينات منها. والشاب العربي الذي كان يغريه بإسماعه قصصاً عن مغامراته الجنسية مع الأميركيات. والممرضة التي كانت تغريه وهو في المستشفى بإسماعه مواصفاتها التي تطلبها في الشخص ليكون عشيقاً لها، والفتاة الجامعية التي تريد أن تمحو من فكره النفور من الرذيلة الجنسية، وتزعم أنها عملية بيولوجية جسدية لا داعي لإقحامها في المعاني الأخلاقية... وغير ذلك».
في هذا التعليق كذب مريد سيد قطب الأكبر عليه وحرّف ودلّس في القصص الأخرى. الكذب هو أن القصص الأخرى أوردها سيد قطب في سياقات مختلفة عن سياق ما يتمتع به من جاذبية جنسية لا تستطيع الفتيات مقاومتها، خصوصاً الفتيات الأميركيات! كما في القصتين الأولى والثانية اللتين رواهما سيد قطب للشيخ مصطفى العالم. والتحريف والتدليس في خلطه عامداً متعمداً بين قصتين رواهما سيد قطب (رواهما في سياق واحد)؛ واحدة وقعت في معهد المعلمين ببلدة جريلي بولاية كولورادو، وأخرى وقعت في المعهد المركزي لتعليم الأجانب بمعهد ويلسون للمعلمين بمدينة واشنطن.
لنسمِّ الفتاة الأولى فتاة جريلي، ولنسمِّ الفتاة الثانية فتاة واشنطن.
فتاة جريلي وليست فتاة واشنطن هي التي ادّعى أنها أرادت أن تمحوَ من فكر سيد قطب النفور من الرذيلة الجنسية. سيد قطب قال عن الفتاة الأولى، فتاة جريلي: «قالت لي إحدى الفتيات الأميركيات في معهد المعلمين (جريلي كولورادو) في أثناء مناقشة عن الحياة الاجتماعية في أميركا: (إن مسألة العلاقات الجنسية مسألة بيولوجية بحتة، وأنتم الشرقيون تعقّدون هذه المسألة البسيطة بإدخال العنصر الأخلاقي فيها)».
وقال عن الفتاة الثانية، فتاة واشنطن: «وكانت إحدى المدرّسات في المعهد المركزي لتعليم اللغة والإنجليزية للغرباء بمعهد ويلسون للمعلمين بواشنطن تلقي على مجموعة من طلبة أميركا اللاتينية الذين يعدون في هذا المركز لتلقي الدراسة باللغة الإنجليزية درساً في تقاليد المجتمع الأميركي. وفي نهاية الدرس سألت طالباً غواتيمالياً عن ملاحظاته عن المجتمع الأميركي فقال لها: (لقد لاحظت أن فتيات صغيرات في سن الرابعة عشرة وفتياناً صغاراً في سن الخامسة عشرة يزاولون علاقات جنسية كاملة. وهذا وقت مبكر جداً لمزاولة هذه العلاقات). وكان ردها في حماسة: (إن حياتنا على الأرض جد قصيرة. وليس هناك وقت نضيعه أكثر من الرابعة عشرة)».
في قصة فتاة جريلي قال إنه هو وإياها كانا يتناقشان عن الحياة الاجتماعية في أميركا، ولم يقل إنها ناقشته في هذا الموضوع بهدف إغوائه جنسياً.
وفي قصة فتاة واشنطن، لم يكن هو طرفاً في نقاش، ولم يكن مُستهدَفاً به، وإنما كان من شهوده؛ فأين الإغراء الجنسي له في هذه القصة؟!
فتاة جريلي وفتاة واشنطن كما حدثنا سيد قطب كانتا معلّمتين. والسياق الذي أورد سيد قطب فيه قصتهما يوضحه قوله هذا: «وقد اخترت هذين النموذجين بالذات من مئات الأمثلة التي شاهدتها هناك، لأن صاحبتيهما مدرستان، وتأثير المدرّسة في نشر مثل هذه الإيحاءات أوسع من تأثير أي شخص آخر».
سيد قطب لم يقل إن ممرضة كانت تغريه وهو في مستشفى أميركي بإسماعه مواصفاتها التي تطلبها في الشخص ليكون عشيقاً لها، وإنما قال وهو يذم أميركا في كل شيء: «والفتى الأميركي يعرف جيداً أن الصدر العريض والساعد المفتول هما الشفاعة التي لا تُردّ عند كل فتاة، وأن أحلامها لا ترف على أحد، كما ترف على رعاة البقرCowboys) ). وبصريح العبارة تقول لي فتاة ممرضة في مستشفى: لستُ أطلب في فتى أحلامي إلا ذراعين قويتين يعصرني بهما عصراً. وقامت مجلة (لوك) باستفتاء لعدد من الفتيات من مختلف الأعمار والثقافات والأوساط حول ما سمته (عضل الثيران)، فأبدت غالبية ساحقة إعجابها المطلق بالفتيان أصحاب (عضل الثيران)!».
من المعروف أن سيد قطب لم يكن عريض الصدر، ولم يكن مفتول الساعدين، وإنما كان قصير القامة ضئيل الحجم، وعليه، فإنه ليس فتاها المفضل. وما قالته له بصريح العبارة قول لا يغريه، بل يصدّه. وما قالته لا بد أنه كان إجابة منها عن سؤال سأله إياها عن مواصفات فتاها المفضل. ومن المؤكد أن إجابتها أقعدته ملوماً محسوراً.
وسيد قطب لم يقل إن ثمة شاباً عربياً كان يغريه بإسماعه قصصاً عن مغامراته الجنسية مع الأميركيات، فما قاله هو ما يلي: «أب آخر يتحدث إلى صاحب لنا عراقي من الطلبة، توثقت بينه وبينه عرى الصداقة، فيسأله عن ماري زميلته بالكلية لمَ لا تحضر للكنيسة الآن؟ ويبدي أنه لا يعنيه أن تغيب فتيات الكنيسة جميعاً وتحضر ماري. وحين يسأله الشاب عن سر هذه اللهفة، يجيب الأب إنها جذابة، وإن معظم الشبان إنما يحضرون وراءها».
«ويحدثني شاب من شياطين الشبان العراقيين الذين كانوا يدرسون في أميركا، وكنا نطلق عليه اسم (أبو العتاهية)، وما أدري إن كان ذلك يغضب الشاعر القديم أو يرضيه، أن صديقته كانت تنتزع نفسها من بين أحضانه أحياناً، لأنها ذاهبة للترتيل في الكنيسة. وكانت إذا تأخرت لم تنجُ من إشارات الأب وتلميحاته إلى جريرة أبي العتاهية في احتجازها عن حضور الصلاة! هذا إذا جاءت من غيره، فأما إذا استطاعت أن تجره وراءها، فلا لوم ولا تثريب!».
قصتا الشابين العراقيين مع صديقتيهما الأميركيتين أوردهما سيد قطب مع قصة ثالثة في سياق ذم الكنائس وآبائها أو رعاتها أخلاقياً، وختم القصص التي أوردها بقوله: «ولكني أعود إلى مصر، فأجد من يتحدث أو يكتب عن الكنيسة في أميركا وهو لم ير أميركا لحظة وعن دورها في الإصلاح الاجتماعي ونشاطها في تطهير القلوب وتهذيب الروح... ولله في خلقه شؤون!».
إذن نحن أمام قصتين رواهما سيد قطب عن شابين عراقيين زاملهما سيد قطب في الدراسة ببلدة جريلي في ولاية كولورادو - وكما ترون فإنه قد تحدث عنهما بود وغبطة - ولسنا أمام قصة واحدة لشاب عربي تحدث سيد قطب عنه بسوء لأن الاستخبارات الأميركية قد دسّته عليه ليغريه في الوقوع بالخطيئة الجنسية مع الأميركيات.
إن ذلك الكذب وذلك التحريف والتدليس قال به صلاح عبد الفتاح الخالدي أول مرة في أطروحة علمية لنيل شهادة الماجستير، استمدّ فيها المعلومات الشخصية عن سيد قطب من أخيه محمد قطب. وكان محمد قطب من ضمن لجنة مناقشتها! وقد قال عن تلك الأطروحة ساعة مناقشتها داعماً الكذب والتحريف والتدليس فيها: إنها من أنضج الدراسات وأدقها وأوفاها وأشملها. وللحديث بقية.