حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السادات مكرماً

أعلن منذ أيام غير كثيرة في العاصمة الأميركية أن مجلس الشيوخ الأميركي وافق بالإجماع على مشروع قانون جديد يكرم فيه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.
ومشروع القانون الجديد يمنح الرئيس الراحل الميدالية الذهبية للكونغرس، وذلك تقديراً لإنجازاته التاريخية ومساهماته الشجاعة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. ووضح الإعلان أن التكريم يأتي تزامناً مع مرور مائة عام على ميلاد أنور السادات (في 20 ديسمبر «كانون الأول» 1918)، و40 عاماً على توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل (17 سبتمبر «أيلول» 1978).
ويأتي هذا التكريم لرجل لا تزال سيرته تثير الجدل وسط العرب حتى اليوم. في إسرائيل نفسها هناك رأي نخبوي وشعبوي بأنه الرجل الوحيد الذي استطاع أن «يخدع» إسرائيل، فعل ذلك حرباً وسلاماً؛ حرباً في 1973، وسلاماً حينما استعاد كل الأراضي المصرية. وعرض أكثر من مرة على الحكومات العربية الدخول معه في مبادرة السلام، ولكنها لم تستجب له، وتحاول اليوم الحصول على القليل مما كان يعرضه وقتها. والمدهش أن الجماهير العربية المغيبة لا تزال ترفع صوراً تمجد نماذج مثل صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي الذين شردوا شعوبهم وأضاعوا أراضيهم. أنور السادات كان ماهراً في اقتناص الفرص مع منافسيه من الحرس الناصري الذي لم يكن مقتنعاً بأنه أهل لمنصب الرئيس، ولكنه باغتهم. وكذلك فعل بحربه في 1973 ضد إسرائيل واستعاد قناة السويس وضفة سيناء، ورسم خطاً جديداً للحدود مع العدو الإسرائيلي. وباغت العدو الإسرائيلي بزيارتهم في عقر دارهم وإحراجهم بفكرة السلام، وأخذ منهم كامل أراضيه في اتفاقية السلام، وطبق «عملياً» فكرة حدود 1967، وهي المسألة التي لم يصل لها إلى اليوم نظام الأسد الذي بقي حامياً لحدود إسرائيل في الجولان لأربعة عقود، بل إن نظام الأسد «تنازل» عن أرضه في مزارع شبعا لصالح لبنان حتى تبقى أسطوانة المقاومة لتنظيم حزب الله الإرهابي سبباً ظاهرياً للبقاء على سلاحه.
ولكن رفض نظام الأسد لما قدمه لهم أنور السادات يؤكد (وهو أمر وضحه السادات في حياته) أنه موجود ليكون جزءاً من مشروع ثورة الخميني الطائفية البغيضة في المنطقة، وهي مسألة ظهرت في كون حافظ الأسد كان وحيداً في تأييده لإيران في حربها مع العراق (العربي والبعثي) ليثبت أنه طائفي أكثر منه عربي وحزبي.
السادات كان سابقاً لوقته وعصره وزمانه. اليوم يدرك العقلاء قيمة ما طرحه وقتها، لأنه لو وافق على أطروحاته أصحاب القضايا لكنا اختصرنا الكثير من الوقت والمال والجهد. التاريخ كفيل دوماً بإنصاف الناس. وكما قال حسني مبارك عن نفسه في خطابه الأخير قبل التنحي: «سيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا وما علينا». اليوم دفات كتاب التاريخ تبدي لغة منصفة وعادلة وموضوعية، وهي تراجع سياساته وقراراته ومواقفه مع الإدراك التام بأنه إنسان وبشر يصيب ويخطئ، ولكن من المهم جداً أن يكون الحكم عليه بموضوعية ومن دون عواطف وتشنج وانفعالات.
القراءة في حقبة أنور السادات هي فرصة لمراجعة تاريخ المنطقة التي سمح التخلف والتطرف بالتضييق على صوت عاقل كأنور السادات، وإظهار وإبراز أصوات ملعلعة وفارغة كالخميني وحافظ الأسد وحسن نصر الله لتتحدث وتتبجح عن المقاومة. حسبة بسيطة؛ ما الذي حصل عليه السادات لبلاده، وما الذي قدمه ثلاثي المقاومة الخميني والأسد ونصر الله للمنطقة لتعلموا من كان على حق، ومن هم على باطل؟
رحم الله أنور السادات رحمة واسعة، وتظل المقاومة أشرف من أن تختطف من قبل مدعين.