علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

البنا وقطب وثالثهما كان جاسوساً!

استمع إلى المقالة

المستشرقُ والجاسوسُ البريطاني ج. هيوارث دن عرفَ حسن البنَّا وعرف «الإخوانَ المسلمين» وعرفَ سيد قطب عن قرب. عرفهم معرفةً شخصيةً مع معرفةِ قراءةٍ لكتابات سيد قطب. وعرفَ البنَّا و«الإخوان المسلمين» - إضافة إلى المعرفة الشخصية - معرفة دراسة كانا هما موضوعها.

تعدت علاقته بسيد قطب علاقة المعرفة الشخصية إلى علاقة صداقة وعلاقة مؤازرة ومساندة له، فهو - مع المستشرق ولفرد كانتويل سميث - من ربطه وربط كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، وربط بعثته إلى أميركا بـ«مشروع النقطة الرابعة» الأميركي.

هیوارث دن عايش تجربة سيد قطب في مجلة «الفكر الجديد»، وكان متحمساً لها، إذ قال عن هذه المجلة: إنها «كانت تبشر بأن تكون من أكثر التجارب إثارة في العصر الحديث»!

وكان متحمساً لسيد قطب إذ قال عنه: «إن سيد قطب كاتب وناقد أديب من الدرجة الأولى»!

هذا الحماس لتجربة سيد قطب في هذه المجلة ولسيد قطب، الكاتب والناقد الأديب في طوره الفكري الجديد في هذه المجلة، سببه أنهما حققا غرض مهمته الجديدة في مصر، بعد أن انتقل من العمل مع المخابرات البريطانية إلى العمل مع المخابرات الأميركية التي كانت معنية إلى درجة قصوى ابتداء من منتصف أربعينيات القرن الماضي بمقاومة انتشار الأفكار الشيوعية في مناطق عدة من العالم. ومن هذه المناطق منطقة الشرق الأوسط التي كانت مصر فيها هي الثقل الراجح والوازن.

بحكم الصداقة بين هيوارث دن وسيد قطب، أطلع سيد قطب هيوارث دن على خبايا الصدام بينه وبين حسن البنا حول مجلة «الفكر الجديد» وعلى سببه. فأمدنا بها هيوارث دن في كتابه «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة».

وصل هيوارث دن في هذا الكتاب إلى حكم على حسن البنا، بأنه لا يقبل بالمنافسة ولا يطيقها فأورد مثالين على ذلك. هذان المثالان مستمدان من «شركة الإعلانات العربية» التي أسسها البنا عام 1947.

المثال الأول، هو تفجير التنظيم السري في جماعة «الإخوان المسلمين» في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948 «شركة الإعلانات الشرقية»، وهي شركة إعلانات كبرى في مصر.

المثال الثاني، وهو المثال الذي يهمنا في هذا المقام، فلنستشهد بما قاله عنه.

قال عن هذا المثال: «استخدم حسن البنا الشركة كأداة لإجبار بعض المجلات على الخروج من السوق، فيما إذا كانت تعتبر خطراً عليه أو غير راغبة في أن يشتريها. فالمجلات في مصر لا تستطيع الوفاء بمدفوعاتها، ما لم تحصل على نصيب كافٍ من الدعم من المؤسسات التجارية من خلال الإعلانات، وخصوصاً تلك المجلات التي ليس لديها سوى رأس مال صغير، حيث كان عليها الاعتماد على مطابع أخرى لإنجاز أعمالها. وقد استخدمت تلك المناورات ضد سيد قطب محرر مجلة (الفكر الجديد)، والذي كان يكتب مقالات عن الإصلاحات الاجتماعية على أسس إسلامية. وقد اتصل ممثلو (الإخوان) بالمحرر وزملائه مرات عدة، بناء على تعليمات من حسن البنا لاستمالتهم على أساس أن عملهم هو نفس ما يريد (الإخوان) عمله بالتمام وأنه لا مجال هناك للمنافسة. وأدى رفض سيد قطب الامتثال لمطالبهم إلى مقاطعة أدت إلى عدم استطاعة بيع المجلة من خلال القنوات العادية. وفي النهاية أقفلت المجلة، وكان السبب الآخر لذلك هو العوائق التي فرضها إعلان قانون الطوارئ».

بعد أن أمدنا هيوارث دن بخبايا الصدام بينهما، وأعلمنا بسببه، علق على ما فعله البنا بسيد قطب، ساخراً، فقال: «كان حسن البنا إنساناً غيوراً، فلم يستسغ المنافسة من قبل أي إنسان في ذلك المجال؛ كان يريد أن يكون (الحبر الأعظم)، وألا يكون ثمة (مسيلمة) في مصر».

في حاشية من كتابه، قدم هيوارث دن تعريفاً بمجلة «الفكر الجديد». ومما قاله في هذا التعريف: أن سيد قطب أنشأها مع سبعة آخرين من زملائه. وأنها مجلة أسبوعية متخصصة في القضايا الاجتماعية. يذكر في سياق تعريفه بها معلومة نستنتج منها أن عمل سيد قطب وزملائه في هذه المجلة لم يقتصر على الكتابة فيها بل شمل العمل الميداني الصحافي. هذه المعلومة هي قوله: «قام سيد قطب وزملاؤه بجمع عدد من التقارير عن أوضاع معيشة مواطنيهم ونشرت مع الصور». هيوارث دن لم يذكر من أسماء زملاء سيد قطب السبعة سوى اسم واحد، وذلك في خاتمة تعريفه بالمجلة.

ففي هذه الخاتمة قال: «كان أحد زملائه محمد الغزالي قد ألّف كتابين أحدهما عنوانه (الإسلام والاتجاهات الاقتصادية - 1947)، والآخر (الإسلام والمبادئ الاشتراكية - 1948)».

وفي يقيني أن موضوعي كتابيه هذين اللذين يعتمدان على مجابهة الإسلام بالشيوعية بالقول بأن الإسلام يتضمَّن الفكرة الاشتراكية، فلا حاجة لنا بالاشتراكية العلمية التي سبقتها في الظهور من أزمان بعيدة اشتراكية الإسلام، هو السبب الذي جعله يخصه بالذكر.

في رسالته للدكتوراه في جامعة ميشيغان الأميركية «المراحل التكوينية لمسيرة سيد قطب الفكرية وصعوده كداعية إسلامي» الصادرة عن هذه الجامعة عام 1983، عدّد عدنان أيّوب مُسلّم أسماءهم، فسرد الأسماء التالية: صادق إبراهيم عرجون، محمد الغزالي، فايد العمروسي، عماد الدين عبد الحميد، محمد قطب، نجيب محفوظ، عبد المنعم شميس، عبد الحميد جودة السحّار.

وهؤلاء في العد ثمانية وليسوا سبعة!

سيد بشير أحمد كشميري في رسالته للدكتوراه «سيد قطب، الأديب العملاق والمجدد الملهم في ضوء آثاره وإنجازاته الأدبية»، اعتماداً على رسالة عدنان أيوب مسلّم الجامعية، صاروا عنده أيضاً ثمانية أسماء.

علي شلش في كتابه «التمرد على الأدب: دراسة في تجربة سيد قطب» مع أنه اعتمد على دراسة مسلّم الجامعية فإن عددهم في كتابه سبعة حين سرد أسماءهم، لأنه حذف منها اسم سعيد جودة السحار. وقد حذفه لأنه يعلم بأن مشاركاته في تلك المجلة كانت مشاركات أدبية محصورة في ركن صغير منها هو ركن الأدب (راجع كتابي علي شلش: «دليل المجلات الأدبية 1939 - 1952» و«المجلات الأدبية في مصر: تطورها ودورها»). وللحديث بقية