طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

المعادلة ليست ميادة أم أصالة

استمع إلى المقالة

البلد الجميل سوريا له مكانة دافئة في ضمير كل عربي، في العقد الأخير، بات الإنسان السوري يحمل صفة سفير لبلده، أجبر النظام العنيف، جزءاً معتبراً على الهجرة خارج الحدود، حقق المواطن نجاحاً لافتاً، دفع مثلاً إدارة مهرجان «برلين السينمائي» قبل 6 سنوات على تكريم طباخة سورية ماهرة، لتصبح هي المسؤولة عن إعداد وجبات ضيوف المهرجان العريق.

في مصر لم يعاملوا قط كلاجئين، بل أصحاب بيت، انتشرت في «المحروسة» محلات الحلويات والأزياء، صارت اللهجة السورية، جزءاً من الثقافة المصرية وكلمات مثل «شلون» و«هيك» و«تؤبرني»، مع إيقاع موسيقي خاص، تعاملنا معها بود وحب وإعجاب.

كان ينبغي أن يتحرر الشعب من بطش القبضة الدموية، نصف قرن، بدأت مع الأب حافظ وازداد معدل عنفها في زمن بشار.

الثورة السورية حققت التفاتاً شعبياً، تم الخلاص من نظام طائفي، أشعل العداوة في قلب السوريين، كنت أحرص على زيارة سوريا في مهرجان «دمشق السينمائي» منذ عام 1991، شاهداً على قسوة النظام، وأيضاً على بزوغ بركان الغضب الشعبي، الذي كان في البداية يتدثر بالصمت.

من قاموا بالثورة المسلحة قدموا وعوداً جميلة بأنهم لن يصادروا فكراً ولن يمنعوا رأياً، إلا أنهم ليس لديهم خبرة في إدارة شئون البلاد، عليهم المسارعة، بتهيئة المناخ أمام الكوادر المدنية، ولكن أولاً على المواطن السوري أن يغلق صفحة الماضي، هناك فارق بين من تواطأ وتلوثت يده بالدماء - قطعاً يستحق القصاص - وبين من واصل العمل في سوريا، فهو كان يتعامل مع رئيس يملك كل شيء، ولا نطلب من الجميع أن يصبحوا «جيفارا».

كان بشار بين الحين والآخر يلتقي الفنانين وتنشر معه صورهم، وربما مداعباتهم، هم يعملون في سوريا أو عائلتهم تقيم في سوريا ما الذي ننتظره منهم، في مواجهة شراسة نظام يطبق قاعدة «الخضوع التام أو الموت الزؤام».

عدد من الفنانين والمثقفين، حاولوا العودة لحضور جنازة الأب أو الأم مثلاً، وجدوا أنه سوف يلقى القبض عليهم في مطار «الأسد»، وينكل بهم، إلا إذا سجلوا لقاءً في التليفزيون السوري يؤكدون فيه ندمهم على ما اقترفوه من أفعال أو أقوال، ويعلنون ولاءهم المطلق لبشار.

وهكذا كنا نتابع كلمات الإشادة ببشار الحامي للوطن ومقدراته، تابعنا مرحلة التراشق بين الفنانين داخل سوريا وخارجها - كانت معركة لها أسبابها بمقياس الزمن، الآن لا وقت لتصفية الحسابات. نعم كان مثلاً دريد لحام أحد أهم عناوين القوى الناعمة السورية يدافع عن النظام منذ زمن حافظ، واستمر مع بشار، بينما مخرج ظل مقيماً في دمشق مثل محمد ملص تحمل الكثير من الاضطهاد والمصادرة والتعتيم، نجم مثل جمال سليمان كان مطلوباً من السلطة، وظل رافضاً لها، تردد أنه يفكر جدياً في الترشح لرئاسة الجمهورية.

لم ننسَ التراشق بين ميادة «المؤيدة» وأصالة «الرافضة»، وهو تنويعة أخرى على التباين بين رغدة وكندة، الكثير وجدوا أنفسهم تحت مرمى الاتهامات الوطنية بسبب اقترابهم من بشار، فقرروا حذف صورهم معه، وأعلنوا ندمهم مثل قصي الخولي وأيمن زيدان، وباسم ياخور وغيرهم.

المطلوب الآن من الجميع، نقطة ومن أول السطر، ترشيد الطاقة، حتى تعود سوريا للسوريين، نغلق صفحة الماضي ونبدأ صفحة جديدة، ليس على طريقة عمرو دياب «ما بلاش نتكلم في الماضي... الماضي ده كان كله جراح»، فهي لم تكن مجرد جراح، بل مجازر دموية!