عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

استمع إلى المقالة

العالم اليوم قرية أصغر من قرية ثورة الاتصالات قبل ثلاثة عقود، مما يمكننا من مراقبة تجارب الآخرين لتجنب سياسات قد تكون عواقبها مكلفة. الاستثمار في التعليم من أولويات الحكومات، والاختبار لخططها هو ثبات استراتيجية التعليم رغم تغير الحكومات بآيديولوجيات مختلفة.

«تجربة» في السياسة التعليمية - والوصف لمعلقين - لأنها سياسة جديدة للحكومة البريطانية لم تختبر قبلاً في التعليم الذي أصبح قضية تثيرها الصحافة هذا الأسبوع ومحل خلاف في المؤسسة السياسية. فمع بداية العام الجديد بدأ تطبيق السياسة المالية لحكومة العمال على قطاع المدارس الخاصة (تعرف بالمدارس المستقلة). وهي مدارس لا تمول من الميزانية العامة ولا تتبع الحكومة المركزية أو البلديات المحلية.

فالمدارس المستقلة ستحرم من إعفاءات ضريبية يدعي العمال أن إلغاءها سيمول الخزانة بمليار و700 مليون جنيه مع نهاية الدورة البرلمانية (2029)، تؤكد الحكومة أنها ستخصص لتعيين 6500 معلم في المدارس الحكومية. المعارضون، وخبراء التعليم التقليديون، في المقابل، يحذرون من أنها خطوة مدفوعة بآيديولوجيا اشتراكية وحقد طبقي، وغير مدروسة بدقة ستكون لها آثار سلبية مستقبلاً على كل التلاميذ وليس فقط المدارس الخاصة.

في بريطانيا 29 ألفاً و580 مدرسة يدرس فيها ثمانية ملايين تلميذ أربعة ملايين و500 ألف منهم في المدارس الابتدائية.

أما المدارس المستقلة التي لا ينفق عليها من الميزانية العامة والميزانيات المحلية (أي أموال دافعي الضرائب) فتزيد قليلاً على 2600 مدرسة بمصروفات خاصة. نحو 7 في المائة (565 ألفاً) من التلاميذ ينتظمون في مدارس مستقلة بمصروفات وبعضها مدارس داخلية.

معظم البلدان المتقدمة وهي الأرقى في نسبة النجاح في التعليم، لا تفرض ضرائب من أي نوع على وسائل ومؤسسات التعليم. الكتب المدرسية مثلاً معفاة من ضريبة القيمة المضافة - والمدارس الخاصة كانت معفاة حتى هذا الأسبوع، حيث ستفرض عليهم ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 20 في المائة. ومتوسط مصروفات المدارس 20 ألف جنيه سنوياً، لكن التكاليف لأولياء الأمور ستفوق الأربعة آلاف جنيه، لأن السياسة الجديدة ستلغي الإعفاء الضريبي على المستلزمات الإضافية التي تعرف أي أسرة أنها ضرورية كالزي المدرسي، وأدوات الرياضة والأنشطة الموازية كالموسيقى والفنون.

معهد الدراسات المالية يقدر أن 35 ألف أسرة (الدراسة التي أجرتها مكتبة مجلس العموم تقدر عدد الأسر بـ37 ألفاً ويمثلون 6 في المائة من إجمالي تلاميذ المدارس الخاصة) ستكون غير قادرة على توفير الزيادة في المصاريف بسبب إنهاء الإعفاء الضريبي؛ مما سيضطرهم إلى سحب أبنائهم وبناتهم من المدارس الخاصة ونقلهم إلى المدارس الحكومية. هذا بدوره يزيد من ازدحام الفصول التي يشكو معلموها من ازدحامها أصلاً، وبدوره يخفض من مستوى التعليم.

وزيرة المعارف، بريجيت فيليبسون، تكرر أن المبلغ الذي يدخل الخزانة من تحصيل الضرائب يبلغ 460 مليوناً هذا العام، ويصل الإجمالي إلى مليار و551 مليوناً في نهاية 2029 سيمول تعيين المعلمين الجدد.

الدخل من إلغاء الإعفاء الضريبي لن يخصص لتعيين المعلمين، بل سيدخل ضمن الميزانية العامة، حسب كل من مسؤولي الخزانة والمتحدث الرسمي للحكومة. كما أن دراسة للمعهد القومي لبحوث التعليم تشير إلى أن تعيين هذا العدد من المعلمين سيكلف خمسة مليارات في أربع سنوات وليس فقط ملياراً و700 مليون. وحتى لو تمكنت الحكومة من تعيين 6500 معلم ومعلمة، فسيكون نصيب المدرسة الواحدة 1-5 معلمين (معلم واحد لكل خمس مدارس) هذا بجانب أن المدارس الحكومية تفقد 43500 معلم سنوياً بسبب التقاعد أو الانتقال إلى وظائف أخرى.

في محاولة أغلبية المدارس الخاصة تحمُّل جزءٍ من الـ20 في المائة الإضافية لمساعدة أولياء الأمور، ستضطر إلى استقطاع بعض النفقات من ميزانية خدمات تقدمها مجاناً للمدارس الحكومية في المناطق الفقيرة كالملاعب الرياضية وقاعات الموسيقى والدراما، والفنون بجانب الفصول المجانية لذوي الاحتياجات الخاصة.

في بريطانيا مليون و700 ألف (18 في المائة من التلاميذ) من ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما عدد المدارس المتخصصة، حكومية ومستقلة 1546 فقط ـ بجانب 57 مدرسة لا تتلقى أي دعم حكومي وتعتمد على المصاريف التي يدفعها أولياء الأمور وتبرعات المؤسسات الخيرية والعمل التطوعي لكثير من العاملين فيها.

الأرقام والدراسات الأولية تشير إلى قلق خبراء التعليم من سلسلة من التداعيات تهدد مستقبل التلاميذ في المدارس الحكومية والمناطق الفقيرة من سياسة دوافعها آيديولوجية لم تدرس بشكل كافٍ.

التجربة تستدعي المتابعة لسنوات مقبلة لنعرف مدى نجاحها أو فشلها.