اليوم، تكون المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية قد دخلت أسبوعا ثانيا من التصعيد الذي اتخذ شكل عدوان شامل على قطاع غزة، بعد أن استغلت إسرائيل اختطاف ثلاثة مستوطنين، الشهر الماضي، وقتلهم لتحقيق عدد من الأهداف السياسية، في مقدمها القضاء على البنية التحتية لحركة حماس في القطاع، والمنظمات الفلسطينية المسلحة الأخرى، ووقف عمليات إطلاق الصواريخ التي وصلت هذه المرة إلى مسافات لم تصلها في مواجهات سابقة، وضرب حكومة الوفاق الوطني التي أعلن عنها في 2 يونيو (حزيران) الماضي، برئاسة رامي الحمد الله. وإذا كان مفهوما أن يغضب هذا التطور الفلسطيني الإيجابي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي جعل من إنهاء الشراكة الفلسطينية، وتخلّي الرئيس محمود عباس عن اتفاق المصالحة وحكومة الوحدة الوطنية، شرطا للعودة إلى طاولة المفاوضات، فقد كان مأمولا من الأطراف الفلسطينية بالمقابل أن تبذل كل جهد للحفاظ على ما أنجزته بعد سبع سنوات من الخلافات الداخلية، والتقدم نحو برنامج سياسي يوحد قراري السلم والحرب ويجنب الفلسطينيين ويلات ما ينتج عن دورة العنف الجديدة من مآس وآلام.
وإذا كان حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل مشروعا، فإنه لا يبرر لأي فئة فلسطينية اختطاف القرار الفلسطيني وفرض رؤيتها السياسية على السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية بوسائل غير سياسية، في ظروف عربية ودولية هي الأسوأ منذ سنوات طويلة، إذ غالبا ما ينتهي الأمر، كما في كل دورة عنف سابقة، إلى مفاوضات تعيد إنتاج تفاهمات سابقة، يدعي كل طرف فيها الانتصار، ويدفع ثمنها آلاف الضحايا الغزيين والمشردين الذين فقدوا بيوتهم جراء الهجمات الإسرائيلية الهمجية.
لقد أدركت السلطة الفلسطينية مبكرا ما قد تنتهي إليه هذه الدورة الجديدة من العنف المنفلت. وقد يفسر هذا تجاوز الرئيس عباس الغضب الشعبي الذي اجتاح الشارع الفلسطيني، بعد اختطاف الصبي المقدسي محمد أبو خضير، على أيدي مستوطنين وحرقه حيا، وتأكيده تمسكه بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، لتجنيب شعبه المزيد من العذاب والآلام والدمار، وإصراره على التفاوض كخيار استراتيجي وحيد، ودعمه الاحتجاجات الشعبية السلمية في مواجهة الاحتلال، على الرغم من قناعته بأن حكومة نتنياهو غير راغبة في التفاوض أصلا، ولا الولايات المتحدة مستعدة للذهاب أبعد من محاولات وزير خارجيتها، جون كيري، التي انتهت إلى الفشل بعد تسعة أشهر من الجولات المكوكية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
من هنا تأتي أهمية التحرك الفلسطيني الأخير، ومطالبة السلطة الأمم المتحدة بتأمين حماية دولية للشعب الفلسطيني، وكذلك التحرك العربي، على ضعفه ومحدوديته، لدفع المجتمع الدولي إلى تولّي مسؤولياته في وضع حد للعنف الإسرائيلي المنفلت، وإرغام حكومة نتنياهو على وقف عملياتها العسكرية الدموية في قطاع غزة فورا، والتزامها التفاهمات الموقعة عام 2012 التي قامت بخرقها غير مرة، والتوقف عن ممارسة سياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
8:37 دقيقه
TT
وفاق وطني أم اختطاف للقرار الفلسطيني؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة