إنه تحالف المصير المشترك، والمستقبل المعقود بعضه ببعض، إنها علاقة لا تفصم عراها.
هذا هو وصف الحال بين السعودية ومصر الآن، بعد أن عبرت مصر أمواجا من الفتن والاضطراب، واجتازت من خلال الأعاصير والرياح العاتية لتصل إلى ضفة الأمان.
ما جرى في مصر ليس مجرد قدوم رئيس جديد عوض رئيس قديم، بل إنقاذ لهوية مصر ودورها وموقعها، إنقاذ حققته القوات المسلحة المصرية، ونادى به عموم الشعب المصري الذي ترجم رغبته هذه من خلال تصويت كثيف لصالح خارطة الطريق السياسية المصرية، التي تمثلت بخطوة التعديلات الدستورية، وقد وافق عليها المصريون بحماسة وشفافية، ثم انتخاب المُعبِّر عن طبيعة المرحلة وهو الرئيس المشير عبد الفتاح السيسي، الذي حملته أصوات أكثر من 23 مليون مواطن ومواطنة.
ما كان لهذا العبور أن يخترق الحصون المنيعة والعوائق الشديدة، لولا عزيمة المصريين أولا، وشجاعة الجيش والشرطة والقضاء ثانيا. وبموازاة هذا ما كان لهذا العبور أن يتم لولا الوقفة الصارمة الحاسمة للسعودية، والعزيمة التي لا تشوبها شائبة من هون في رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. لقد كانت وقفة الملك عبد الله بن عبد العزيز فاصلة في التاريخ، موقفه الذي انحاز ببلاده إلى مصر، رغم جسامة التحديات وتشكيك العالم، ونوايا الخاسرين في التخريب، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، بكل أذرعها وقدراتها الدعائية وعلاقاتها فوق الأرض وتحت الأرض.
لتمضي مصر نحو صفحة أخرى في تاريخ المنطقة.. صفحة كتبت على غير هوى من يقامرون ويغامرون في بلادنا على طريقة «الفوضى الخلاقة» التي كانت فوضى لم تخلق إلا الخراب وتفتيت النسيج الوطني.
كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز التي وجهها للرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي حافلة بالمعاني والرسائل، والمواقف، والعواطف أيضا.. هي وثيقة ستتلى في منابر التاريخ.
حين قال الملك للرئيس إن شعب مصر عانى في الفترة الماضية من فوضى، سماها البعض ممن قصر بصره على استشراف المستقبل «الفوضى الخلاقة» التي لا تعدو في حقيقة أمرها إلا أن تكون فوضى الضياع. ورسم الملك خطة الخروج من الفوضى لجميع العرب، بمن فيهم السعودية ومصر، من خلال «كبح الخارجين عن وحدة الصف» لأن هذه الفوضى المدمرة حان وقت اجتثاثها «دون هوادة، وخلاف ذلك لا كرامة ولا عزة لأي دولة وأمة».
وترجمت الكلمة الملكية هذه الرؤى، وعبرت عن هذه العواطف من خلال موقف عملي وهو عقد مؤتمر يشارك فيه من يرغب في حجز مكان له في مستقبل المنطقة لإعانة مصر والوقوف إلى جانبها، فمصر هي قلب المشرق العربي ومركز ثقله، وعزها عز للعرب والمسلمين أجمعين.
أمس أدى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية وتسلم في صورة بهيجة مقاليد الحكم من خلفه الوقور المستشار عدلي منصور، وخطب أمام الشعب المصري وأمام الضيوف الذين حضروا من كل مكان لمباركة العرس المصري، وأكد على اعتدال مصر وإسلامها الوسطي وقوتها لصالح المستقبل، وتوجهها نحو الانفتاح الداخلي والاحترام الخارجي، ولم يفوِّت الإشادة بموقف الملك عبد الله والسعودية في الدعوة للمؤتمر المنشود. وكان ولي العهد السعودي معمقا لهذا المسار، حين قال في تصريح صحافي لدى وصوله إلى القاهرة لتمثيل السعودية في مراسم تنصيب السيسي رئيسا لمصر، إن هذه المناسبة «تمثل نقطة تحول عظيمة لمصر نحو الأمن والاستقرار والسير في طريق التنمية المستدامة». وعد يوم المناسبة «يوما فاصلا بين الفوضى والاستقرار».
عبور مصر إلى بر الدولة والاستقرار، وسند السعودية ودول خليجية لها، هو إيذان بنهاية مرحلة الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة.
7:50 دقيقه
TT
مصر تعبر والسعودية تساند
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة