مسعود لاوه
صحافي من كردستان العراق انضم إلى أسرة "الشرق الأوسط" في عام 2001 ويعمل حاليا سكرتير تحرير فيها.
TT

انتخابات كردستان العراق.. إلى أين؟

لم يبق على معركة الانتخابات البرلمانية في كردستان العراق التي ستجرى في 21 سبتمبر (أيلول) الحالي إلا يومان، وحرب الحملات الانتخابية حامية وطيسها.. وأقول «حرب» لأن ما يفعله كثير من الأحزاب الحاكمة والمعارضة في هذه الحملات أشبه بحملات تشويه للطرف الآخر أكثر من كونها عرضا للبرنامج الانتخابي لما سيقوم به أي حزب أو تيار إذا ما فاز في الانتخابات وتسنم الحكم عن طريق التحالف مع حزب آخر أو من دونه.
كل حزب بما لديهم متفائلون.. هذا ما يستنتجه المراقب لدى متابعته الأطراف المتنافسة في هذه المعركة الديمقراطية. فهناك بعض قيادات الحزب الديمقراطي برئاسة مسعود بارزاني أصابته نشوة التفاؤل إلى حد التكهن بالفوز بأغلبية مريحة بحيث سوف لا يكونون بحاجة إلى أي حليف لتشكيل الحكومة. لكن قيادة الحزب تفضل - كعادتها - الاحتفاظ بخط رجعة في حال احتياجه «الاستعانة بصديق» لتشكيل الأغلبية المطلوبة. لذا نسمع بين الحين والآخر تصريحات تشدد على متانة علاقة الحزب بـ«حليفه الدائم» (الاتحاد الوطني الكردستاني) برئاسة جلال طالباني رئيس جمهورية العراق.
وربما - وهذا ما أميل إليه - يجني الحزب الديمقراطي الذي استعان بخبراء أجانب وعالميين في تثقيف مرشحيه وترشيدهم بالأساليب الناجعة والناجحة للدعاية في حملاتهم الانتخابية، يجني هذه الثقة بالنفس من معرفته - بل وتيقنه - من أن عين الناخب الكردي، المنتمي أو المؤيد، عن كل عيب كليلة، وأن عين غير المنتمي - غير المعارض طبعا - تنظر وتثمن تاريخ الحزب الطويل وإنجازاته الأمنية والإعمارية وغيرها، ممثلة في قيادة نيجيرفان بارزاني للحكومة مرتين ورئاسة مسعود بارزاني لإقليم كردستان، ويغض النظر عن قضايا فساد يقر الحزب بتورط بعض مسؤوليه فيها، ولكن مع التخفيف من هولها وحجمها الحقيقي.
من الطرف الآخر، فإن الاتحاد الوطني الذي يرفع شعاره الانتخابي بكلمة واحدة وهي (سنربحها)، يبدي تفاؤله على استحياء لأسباب أهمها الكم الهائل من الخلافات بين قياداتها الذين كان طالباني هو الوحيد القادر على ربط رزمة عيدانهم كلما حاول أحدهم الابتعاد عن الجماعة وبالتالي «اصطياده» من قبل «ذئب» حركة التغيير، وذلك هربا من تسلط بعض التيارات داخل القيادة أو تورط بعضها الآخر في قضايا فساد لها أول وليس لها آخر.
أما وإن مام جلال راقد في غياهب المرض - نتمنى له الشفاء العاجل - في أحد مستشفيات ألمانيا، ولا يعرف وضعه الصحي الحالي إلا أفراد معدودون من القيادات القريبة من عائلته، فإن وجود هذه الخلافات بين علية القوم لا يمكن إخفاؤها بغربال بعض التصريحات الإعلامية التي تكشف أكثر مما تبطن، ناهيك عن أن الغموض المريب والمزعج لحقيقة وضع مام جلال الذي يحاول الحزب عبثا الاستعاضة في حملاته الانتخابية عن وجوده الفعلي برفع صوره في كل الميادين والشوارع، هذا الغموض ساهم أيضا في تراجع مدى التأييد الذي كان يتمتع به الاتحاد أيام تمتع مام جلال بصحته ولو شبه المستقرة.
أما المعارضة المتمثلة بحركة التغيير بقيادة نوشيروان مصطفى المنشق قبل أعوام عن الاتحاد الوطني الذي كان الرجل الثاني فيه، والاتحاد الإسلامي في كردستان بقيادة محمد فرج، والجماعة الإسلامية بقيادة علي بابير، والحزب الاشتراكي الكردستاني بقيادة محمد الحاج محمود، وأحزاب وتيارات صغيرة هنا وهناك، فهي وإن كانت تعرض - حالها حال أحزاب الحكم - بعض البرامج الانتخابية من قبيل الاهتمام بالتعليم والشباب وحقوق النساء وذوي الاحتياجات الخاصة، وما إلى ذلك، فإن مواضيع التوزيع العادل للثروة النفطية والوعود الكثيرة بالقضاء على الفساد والفصل بين السلطة والحزب واحترام الرأي الآخر، لها نصيب الأسد في الحرب الإعلامية وترغيب الناخب الكردي في عملية التصويت. هنا، تأمل المعارضة وتحاول جاهدة انتزاع أكثر ما يمكن من مقاعد برلمانية من الحزبين الحاكمين، وتشكيل كتلة يحسب لها وتكون لها مشاركة فاعلة ومؤثرة في السلطتين التشريعية والتنفيذية المقبلتين.
بعيدا عن آمال الأحزاب المنافسة وطموحاتها، أجرت بعض الجهات الدولية والمستقلة استبيانا حول وجهة المقترعين الكرد، فكانت النتيجة أن الحزب الديمقراطي سيحصل على 40 في المائة وحركة التغيير على 22 في المائة والاتحاد الوطني على 18 في المائة والحزبين الإسلاميين معا على 20 في المائة. وإذا ما صدقت نتائج الانتخابات نتيجة الاستبيان، فهذا يعني الرجوع إلى المربع الأول في حال رجع الحزبان الرئيسان إلى تحالفهما القائم منذ عام 2000 حيث اتفقا بمباركة أميركية في واشنطن على إنهاء الحرب الأهلية بينهم وعدم العودة إليها أيا كانت الأسباب.
حينها، سيكون على المعارضة الكردية البدء من جديد في النضال السلمي والاستفادة من الهامش الكبير للحرية الإعلامية، والترصد لأخطاء وهفوات الحزبين الحاكمين وتوعية الجماهير بحقوقهم المدنية والقومية والإنسانية وعدم السكوت على المطالبة بكل الحقوق وعدم التفريط ولو في جزء يسير منها. فالركون إلى القناعة هنا ليس بكنز غير فان، بل القناعة هنا ما هي إلا مخدر يصيب الوعي بالشلل والبصيرة بالعماء.