محمد عسكري
TT

لاعب الارتكاز يساوي ربع الفريق

من منا لا يدرك أهمية حارس المرمى في لعبة كرة القدم؟ فهو صمام الأمان والسد المنيع الذي يقف بوجه هجمات الخصم، مانحاً بذلك الثقة والدفعة المعنوية العالية لجميع زملائه، بالإضافة إلى المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه، إذ يصعب تدارك خطأ حامي العرين على عكس المراكز الأخرى، كونه خط الدفاع الأخير.
وفي كرة القدم الحديثة، بات واضحاً أمامنا قيمة لاعب الارتكاز، نظراً للدور الجوهري الذي يتطلبه هذا المركز، ما جعلني أؤمن بأن لاعب الارتكاز هو فعلا رُبع الفريق. لا أخفيكم سراً أن هذه العبارة ترسخت في ذهني اليوم بعد مشاهدة الدور الذي يقوم به لاعب الارتكاز البرازيلي كارلوس كاسيميرو في مانشستر يونايتد الإنجليزي. فمنذ انتقاله إلى الشياطين الحمر الصيف الماضي قادماً من ريال مدريد الإسباني، رسخ (الدبابة البرازيلية) مكانته الفنية الكبيرة في صفوف كتيبة المدرب الهولندي إيريك تن هاغ، وذلك عبر فرض التوازن الغائب عن الفريق لعدة مواسم، ليصبح بلا أدنى شك العمود الفقري الذي يستند عليه المان يونايتد في جميع مبارياته، وينهار بغيابه.
وظهرت أهمية لاعب الإرتكاز مطلع الألفية الجديدة، بعد أن كان لاعبو الوسط في التسعينيات مطالبين بالقيام بأدوار هجومية ودفاعية في العين ذاته، بينما توزعت مهام لاعبي الوسط اليوم بين لاعب يتكفل ببناء الهجمات وخلق الفرص للمهاجمين، وآخر يفسد هجمات الخصوم عبر قطع الكرات وتوفير الدرع الحامي للمدافعين خلفه. هذا الأخير هو لاعب الارتكاز الذي تارةً ما تكون تحركاته عرضية وتجده أول من يبادر بالضغط على المنافس لقطع الكرة وإجبار لاعبيه على ارتكاب الأخطاء والابتعاد عن مرمى فريقه.
ويمتاز لاعب الإرتكاز الحصري كاسيميرو بعدة مواصفات أبرزها القوة البدنية والنظرة الثاقبة في الملعب والقراءة السليمة لأفكار الخصم أثناء امتلاك المنافس للكرة، ومهارة التمرير حتى في أصعب المواقف التي يتعرض لها اللاعب كالضغط القوي والارتقاء العالي المميز في الحالتين الدفاعية والهجومية، والتسديد المتقن من خارج منطقة الجزاء.
كما أثبت البرازيلي مرونته وقدرته على اللعب في مركز قلب الدفاع إذا اقتضى الأمر، بالإضافة إلى تغطيته لأدوار الأظهرة، علاوةً على ذكائه وشراسته وتفوقه بالمواجهات والالتحامات الأرضية والهوائية ضد أي لاعبٍ كان. كما أصبح كاسيميرو اليوم حلقة الوصل بين الدفاع والهجوم، والمتحكم الأول في إيقاع المباراة. فساهم وجوده على أرض الميدان ببث الشعور بالطمأنينة لدى بقية اللاعبين ومدرجات ملعب (الأولد ترافورد) كذلك. شعورٌ طال غيابه عن ملوك البريميرليغ منذ اعتزال السير أليكس فيرجسون للتدريب في عام 2013.
تأثير كاسيميرو على نتائج الشياطين الحمر في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الجاري يعد أمراً ملفتاً للنظر. فالفريق خسر 4 مباريات من أصل 11خاضها بغياب نجم السامبا مقارنة بـ3 مواجهات خسرها اليونايتد في 19 مباراة شهدت مشاركة قائد خط الوسط. تأثير كاسيميرو امتد كذلك إلى بقية زملائه في وسط الملعب، كزميله في المنتخب البرازيلي فريد، والاسكتلندي سكوت ماكتومناي. فبوجود كاسيميرو تحول فريد إلى لاعب مهم في كتيبة تن هاغ إذ بات يلعب أدواراً محورية في الشقين الهجومي والدفاعي. بينما عادةً ما تنتقد جماهير اليونايتد أداء هذا الثنائي بغياب (الدبابة) وتعالت أصواتهم للمطالبة ببيعهم في أقرب فرصة ممكنة.
وبعد أن رجح الاعتقاد السائد لدى المتابعين والنقاد حاجة المان يونايتد لفترة زمنية طويلة من أجل المنافسة على الألقاب مجدداً، أثبت المدرب الهولندي إيريك تن هاغ عبر صفقة التعاقد مع لاعب الإرتكاز المتكامل كاسيميرو بأن عملية إعادة البناء لن تتطلب بالضرورة سنواتٍ طويلة، طالما أنه يمتلك اليوم لاعباً يمثل حجر أساس راسخٍ ومتين لبناء فريق قادر على ترسيخ عقلية الانتصارات، وتحقيق مجدٍ كرويٍ جديد لمانشستر يونايتد، ينهي الكابوس الذي أبى أن يغادر مسرح الأحلام لعقدٍ من الزمن.