د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

من أجل ميثاق مالي دولي جديد

استمع إلى المقالة

رغم الترحيب بالقمة وبالمبادرة الفرنسية المدعومة دولياً وعربياً (السعودية ومصر)، فإن الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام طرحت بقوة قبل انطلاق الاجتماعات عالية المستوى، إذ يدور التساؤل الرئيسي حول مدى الالتزام بالقرارات والتوصيات التي صدرت عن القمة قياساً على الالتزامات السابقة التي بقيت حبراً على ورق، وأهمها الالتزام بتوفير مائة مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان الفقيرة على مواجهة التغيرات المناخية.

إذ عقدت في باريس، ولمدة يومين، أعمال القمة الدولية تحت شعار «من أجل ميثاق مالي دولي جديد»، بحضور 50 رئيس دولة وحكومة وعشرات الوزراء وكبار مسؤولي المنظمات الدولية والمؤسسات المالية العالمية ومنظمات المجتمع المدني، ما يعد أحد أكبر المنتديات بعد الأمم المتحدة، وتأتي القمة الدولية، التي غرضها استكشاف جميع السبل والوسائل لتعزيز التضامن الدولي بين دول الشمال والجنوب، بيد أن الهدف الأساسي توسع لاحقاً ليشمل مواجهة تبعات التغير المناخي والأزمات العالمية ومناقشة القضايا الرئيسية المتعلقة بإصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، وأزمة الديون، والفقر والصحة والتمويل المبتكر، والضرائب الدولية، وحقوق السحب الخاصة.

وحلت هذه القمة بينما الهوة تتسع بين الشمال والجنوب، وهدفت إلى توفير الوسائل للاستجابة للحاجات المتكاثرة لغالبية بلدان الجنوب لمحاربة الفقر والتعاطي مع التغيرات المناخية وما تفضي إليه من تصحر وهجرات وحروب وكوارث بيئية، والتوصل إلى إعادة تركيب نظام مالي دولي أكثر عدلاً والنظر في «إعادة تنظيم» المؤسسات المالية التي ولدت في «بريتون وودز» في أميركا، وهي تحديداً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ تحظى المؤسسات الدولية والصناديق والبنوك المعنية بالدرجة الأولى بالقمة بتمثيل عالي المستوى، حيث حضر قادة الصناديق الرئيسية؛ صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك التنمية الجديد، والبنك الأوروبي للتنمية... كذلك، عشرات المنظمات غير الحكومية وممثلو المجتمع المدني والهيئات المعنية بالتغيرات المناخية والهجرة والتصحر والتنمية.

ودارت مناقشات حول تطوير بنوك التنمية متعددة الأطراف لمواجهة تحديات العصر، والنهج الجديد لتوفير نمو أخضر، والتركيز على مديونية الدول الناشئة، كما تناولت كيفية توفير البيئة المناسبة لمزيد من انخراط القطاع الخاص في الاستثمار بالبنى التحتية وفي الشركات المتوسطة والصغرى، كما ركزت النقاشات حول إيجاد أدوات التمويل المتجددة لمساعدة الاقتصادات الهشة، وعلى توفير قاعدة بيانات ومعلومات تتمتع بالصدقية.

وباختصار تهدف القمة إلى إحداث صدمة تمويل عامة وإعادة صياغة النظام المالي العالمي ليكون أكثر عدلاً وإنصافاً، بعد فشل الهيكلية المالية الدولية، وبالقواعد التي تتحكم بأداء مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي وصفت ممارساتها بأنها أصبحت غير أخلاقية تماما، وبالهندسات المالية غير العادلة، وبانعدام المساواة.

ونتيجة ذلك، أكدت القمة على ضرورة إصلاح الهيكل المالي العالمي لتعزيز تمويل التنمية المستدامة، بما يتضمن إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، وأهمية اتخاذ قرارات دولية سريعة تحول دون اندلاع أزمة ديون كبرى مع استحداث آليات شاملة ومستدامة لمعالجة ديون الدول المنخفضة ومتوسطة الدخل، وتطوير سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتعظيم قدرتها على الإقراض، وتيسير نفاذ الدول النامية لها، وكذلك تعزيز الحوار بينها وبين وكالات التصنيف الائتماني لزيادة قدرتها على الإقراض دون المساس بتصنيفها.

إن خلاصة القمة، هي محاربة الفقر وهشاشة الاقتصادات الضعيفة بسبب التغيرات المناخية والحروب والعنف والنزاعات، وما تسفر عنه من صعوبات اقتصادية واجتماعية، والعواقب المترتبة على ارتفاع المديونية التي تعيق التنمية والتطور ووسائل تخفيفها من خلال إعادة جدولتها وتحويلها إلى استثمارات، وضرورة تعزيز تضامن الأسرة الدولية والنظر في كل المصادر التي من شأنها أن توفر مزيداً من التمويل ضعيف الكلفة، ومنها على سبيل المثال حقوق السحب الخاصة، وهذا التوجه تستلزمه الدول ذات الاقتصادات الهشة لمحاربة الفقر، وتحسين مناعة الاقتصادات الهشة، إضافة إلى حماية الكوكب والمحافظة على الغابات والمحيطات ونقاء الهواء، والحاجة إلى تحول جذري للقطاعات الاقتصادية الأساسية والوصول إلى الاقتصاد الأخضر، وتناول سبل توفير تمويلات إضافية من القطاع الخاص.

في الختام، وتماشياً مع توجهات هذه القمة، تسعى كل من الصين وروسيا وفرنسا ومعها دول بريكس والدول العربية وبقية الدول النامية، في إنشاء آلية دولية بديلة عن مؤسسات Bretton Woods، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ إنه من الأسهل إنشاء نظام جديد بدلا من إصلاح نظام غير فاعل موجود، إضافة إلى إنشاء منظمة تجارة دولية جديدة تستوعب كل المتغيرات الاقتصادية الحاصلة في العالم، تحل محل منظمة التجارة العالمية، وهذه هي مقدمات لإقامة نظام مالي دولي جديد.