يبدو أن محامية حقوق الإنسان الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، قد فاض بها الكيل. فقد قضت سنوات من عمرها في تمثيل المنشقين والمعارضين من أبناء وطنها أمام المحاكم الفاسدة في إيران. ورغم أنها كثيراً ما انبرت للدفاع عن حقوق أبناء جنسها من النساء وحقوق الأقليات والطلاب الإيرانيين في الخارج، فإنها لم تدعُ قط لإسقاط النظام الذي طالما حاربت لتغييره.
وبحسب ما أخبرتني عبادي خلال المقابلة الشخصية التي أجريتها معها مؤخراً: «فإن الإصلاح يبدو عديم الفائدة في إيران»، مضيفة أن «الشعب الإيراني غير راضٍ إلى حد كبير عن حكومته الحالية، فقد وصل الناس إلى قناعة بأن هذا النظام بات غير قابل للإصلاح». وبالنسبة لعبادي، فإن الوسيلة لوضع نهاية للطغيان الإيراني ينبغي أن تكون إصلاحاً تحت إشراف الأمم المتحدة وفق دستور يهدف إلى إجراء تغيير جذري، وهو إسقاط أعضاء المكتب غير المنتخب للمرشد الأعلى. فإن الشعب الإيراني، وفق عبادي: «يريد تغيير نظامنا بتغيير دستورنا ليصبح دستوراً علمانياً يستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
وقد أخبرتني عبادي بأنها لم تثق بأن روحاني يمكن أن يكون مصلحا. ورغم ذلك، فقد أفادت أنها عارضت إسقاط النظام لأن ثورة عام 1979 جاءت موجعة. وهذا هو السبب الذي جعلها تقول إن الاحتجاجات الشعبية الحالية قامت من دون وجود قائد واحد، مضيفة أنه «في خضم الصراع، يظهر القادة الحقيقيون. فعندما تشهد إيران انتخابات حرة فسوف يعلن القادة عن أنفسهم».
كانت المرة الأولى التي عبرت فيها عبادي عن آرائها صراحة عندما أدلت بتصريح نشر في فبراير (شباط) مع 13 منشقاً آخرين ومدافعين عن حقوق الإنسان للمطالبة بالإصلاحات. لكن في المقابلة الشخصية التي أجريتها معها مؤخراً كانت أكثر دقة وتحديداً للمرة الأولى بخصوص ما يتعين على الحكومات الغربية، وتحديداً إدارة الرئيس ترمب، فعله لمساعدة الشعب الإيراني في نضاله الحالي.
ولكي نبدأ السير في هذا الاتجاه، فقد أوضحت أنها لم تدع إلى غزو عسكري لإيران أو لأي نوع من أنواع التدخل الأميركي لتغيير الحكومة. استطردت عبادي: «لكن يجب أن يجري تغيير النظام من داخل إيران وعلى يد أبناء الشعب الإيراني. لكنك تستطيع مساعدة الشعب الإيراني في الوصول إلى هدفه».
وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف، كان لعبادي بعض التوصيات، لكن الفكرة الأساسية هي أنه يجب على الغرب تطبيق عقوبات من شأنها إضعاف النظام من دون أن تلحق الضرر بالشعب نفسه. على سبيل المثال، بحسب عبادي، على الحكومات الأميركية والغربية أن تفرض حظراً على هيئة الإذاعة والتلفزيون في إيران، وهي المؤسسة التي تهيمن على الإعلام في إيران وكذلك تدير البروباغاندا الإعلامية الإيرانية في الخارج، مثل تلك التي نراها في قناة «بريس تي في» الناطقة بالإنجليزية، وقناة «العالم» الناطقة بالعربية. هناك كيانات أكثر استحقاقاً للرقابة والحظر داخل إيران، حيث إن هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية تبث برنامجاً أسبوعياً يقوم بإذاعة اعترافات جرى انتزاعها من المعتقلين السياسيين تحت الإجبار. ولهذا السبب ترى عبادي أن استهداف هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية سيكون الحل الأنسب لإصابة النظام بالشلل ومنعه من مواصلة الهجوم على خصوم النظام ونشر دعايته الزائفة، موضحة أن آلية التنفيذ بسيطة، إذ تعتمد على إحجام مقدمي خدمة البث عبر الأقمار الصناعية عن بث برامج هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية لدعاياتها في الخارج. وأبلغتني عبادي كذلك بأنها كانت قلقة من إمكانية فرض عقوبات تصيب البلاد كلها بالشلل على غرار تلك التي رفعت عام 2016 عقب بداية تطبيق «الاتفاق النووي الإيراني». إذ رأت أن العقوبات التي فرضت على البنك المركزي الإيراني عادت بالنفع على شخصيات قريبة من النظام، حيث تمكن هؤلاء من تكوين ثروة نتيجة لمساعدة صفوة رجال النظام في إخفاء ثرواتهم. لكن في نفس الوقت عانى المواطن الإيراني البسيط من التضخم الحاد.
وقالت إنه كان من الحكمة لأصحاب المشاريع من الأوروبيين التوقف عن السير في المشروعات الكبيرة، فقد باتوا يعارضون الاستثمار في دولة لا تتمتع بالاستقرار السياسي، إذ كيف تثق بالحكومة في الوقت الذي ترى فيه الاحتجاجات الشعبية تجوب مختلف أرجاء البلاد، وترى الجميع غير سعيد؟
وترى عبادي أنه من المهم بالنسبة للولايات المتحدة أن تنشئ قناة للمعارضة الإيرانية المشروعة المستقلة، وهو ما سيكون له أثر أكبر مما نعتقد. وحذرت من أن النظام أسس كل ما يخطر على بالك من مؤسسات غير حكومية وجماعات زائفة بمختلف دول العالم، لتبدو أمام العالم على أنها مستقلة، لكنها في الحقيقة تنفذ ما تمليه عليها الحكومة.
من ضمن الأمثلة «منظمة الدفاع عن ضحايا العنف» التي مثلت المجتمع المدني الإيراني خلال الاجتماعات السنوية لـ«مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان». وفي عام 2011، وصف مركز حقوق الإنسان في إيران تلك المنظمة على أنها منظمة غير حكومية لم تفعل شيئا في سبيل الدفاع عن ضحايا العنف من الإيرانيين.
مثال آخر أشارت عبادي إليه وهو «المجلس القومي الإيراني الأميركي» الذي لعب دوراً مهماً في الدفاع عن الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما مع إيران. فقد أبلغتني بأنها نادمة على المشاركة في أحد النشاطات التي نظمها المجلس عام 2011، موضحة أنه «عندما حضرت مؤتمرهم كان من الواضح أن ما يقولونه أقرب لما تقوله الحكومة مما يطالب به الشعب».
وأفادت عبادي بأنها ستساند وجود منظمة أميركية إيرانية جديدة تساعد بلادها في الحصول على حريتها، على أن تكون «المنظمة مستقلة عن الحكومة الإيرانية».
يمثل مقترح عبادي تحدياً حقيقياً لليبراليين الغربيين الذين لا يزالون يأملون في إشراك النظام الإيراني في عملية الإصلاح، وهو الأمل الذي فقدته عبادي. التي قالت لقد «خرج الناس للشوارع في توقيت متزامن في 70 مدينة للمطالبة بالإصلاح، وبوصفي مدافعة عن حقوق الإنسان، علي أن أتمنى أن يحقق الناس تلك الأهداف. وهذا الهدف يتمثل في إجراء استفتاء شعبي على رفض حكم المرشد الأعلى».
تطالب عبادي بالتضامن معها، فهل ينضم إليها الليبراليون الغربيون؟
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»