نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

اقبضوا على مقاتلي «داعش» الأميركيين

يتعين على الرئيس دونالد ترمب اتخاذ قراره بشأن ما يتعين فعله إزاء أميركي يقاتل في صفوف تنظيم داعش، ألقت قوات كردية القبض عليه في سوريا وسلمته للقوات الأميركية هذا الأسبوع. في الواقع، الحل الأبسط هو الأمثل هنا: اتهامه بتوفير دعم مادي للإرهاب، وإدانته وحبسه داخل سجن أميركي لسنوات كثيرة.
في الواقع، في أي عالم يسوده المنطق ولا تحكمه الأهواء الحزبية، كان هذا القرار ليبدو بديهياً، خاصة أن الخيارات الأخرى معيبة - عملياً أو قانونياً أو كليهما.
ومن المحتمل أن يجري سجن مقاتل «داعش» باعتباره أسير حرب، بناءً على فكرة أننا في حالة حرب مع «داعش». وربما يجري إقرار هذا المسار، لكن ينبغي التنويه هنا بأن الكونغرس أقر شن حرب ضد من خططوا لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) وضد العراق في ظل قيادة صدام حسين، لكن ليس «داعش» على وجه التحديد.
وتكمن المشكلة في أن أسرى الحرب من غير المفترض معاقبتهم لحملهم السلاح. كما أنهم يتمتعون بحماية اتفاقيات جنيف، وأن ينالوا حريتهم عندما تضع الحرب أوزارها. ولا يمكن إساءة معاملتهم أو التحقيق معهم بأساليب عنيفة.
أما أسرى الحرب الوحيدون الذين لا يمكن إطلاق سراحهم لدى نهاية الحرب فهم مجرمو الحرب. ويكاد يكون في حكم المؤكد أن الأميركي الذي ألقي القبض عليه يصنف قانوناً كمقاتل غير شرعي في ظل التعريفات الأميركية لجرائم الحرب، لأنه لم يكن يرتدي زياً رسمياً. وفيما وراء مسألة الخرق الفني، لا ندري أي أفعال ربما كان ليقدم عليها في خضم قتاله لحساب «داعش». في كل الأحوال، يتعين توجيه اتهام إلى مجرم الحرب بارتكاب جريمة حرب من جانب محكمة عسكرية، وهي غير متوافرة حالياً.
ورغم أن ثمة محاكم عسكرية قائمة وعاملة بالفعل في خليج غوانتانامو في كوبا في محاكمة المتورطين في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، فإنه يكاد يكون في حكم المؤكد أنها لا تصلح لمحاكمة شخص أميركي.
من ناحية أخرى، إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من المحاكم العسكرية في غوانتانامو، فهو أنها تعمل ببطء مثير للصدمة.
في المقابل، من الممكن أن تجري إجراءات المحاكمة الجنائية بسرعة. وإذا ما أقر المتهم بجرمه، فإن الحكم النهائي ربما يصدر على الفور. وسيكون لدى المحتجز الأميركي سبب وجيه يدفعه للتفاوض حول صفقة قانونية بحيث يقلص فترة حبسه أو يحسن ظروف حبسه. على أي حال، من المؤكد أن هذا الأميركي سيدان بتقديم دعم مادي للإرهاب إذا كان قد ألقي القبض عليه داخل ميدان القتال يحارب إلى صف «داعش». وتستدعي هذه الجريمة فترة سجن طويلة، التي يمكن بسهولة أن يقضيها داخل سجن شديد الحراسة، وما يحمله ذلك من شقاء إضافي.
وينقلنا ذلك إلى قضية دفعت بعض أعضاء الحزب الجمهوري فيما مضى إلى انتقاد خيار توجيه اتهامات جنائية للإرهابيين: مسألة إملاء حقوقهم عليهم. حال توجيه اتهامات إليه، يجب أن يجري إخبار الأميركي بحقه في توكيل محام وكذلك حقه في التزام الصمت.
بيد أن هذه النصيحة من المحتمل ألا تقف عائقاً في طريق كشف الأميركي معلومات استخباراتية. ويتمثل الحافز هنا في التهديد بقضاء عقود داخل سجن شديد الحراسة.
ورغم أنه من المتعذر بالفعل تعذيبه أو إساءة معاملته، لكن هذا سيكون أمرا غير قانوني حتى لو لم يكن أميركياً، أو لم يكن متهماً.
فيما مضى، اتبعت الحكومة سياسة مثيرة للجدل حيال بعض المحتجزين تتألف من خطوتين. أولاهما: احتجازهم في حبس انفرادي باعتبارهم أسرى حرب على متن سفن أميركية لشهور، يخضع خلالها المحتجزون للاستجواب من قبل مسؤولين من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). بعد ذلك، عندما يدلون بما يعرفون من معلومات، تلقي الحكومة القبض عليهم وتقرأ عليهم حقوقهم.
وربما تحاول إدارة ترمب هذه العملية المؤلفة من خطوتين، لكنها تثير تساؤلات دستورية خطيرة بخصوص ما إذا كان أي شيء يتفوه به المحتجز من الممكن استخدامه في المحكمة.
علاوة على ذلك، فإن هذه العملية المؤلفة من خطوتين تنطوي على ازدراء تجاه استقلالية العملية القضائية.
وإذا كان ترمب يشعر بالقلق حيال التعرض لانتقادات فيما يخص الحق في إلقاء القبض على مقاتل يتبع «داعش»، فإن بمقدوره دوماً شرح (عبر «تويتر» إذا أراد) أن السجن المكان الوحيد المناسب لأي أميركي يحمل السلاح ضد الأبرياء وضد بلاده.
لقد تقبّل الرأي العام محاكمة الأميركي عضو جماعة «طالبان»، جون ووكر ليندا، الذي ما يزال سجيناً حتى اليوم. لتورطه في مقتل ضابط يعمل لدى «سي آي إيه».
في الواقع، في مختلف أرجاء العالم تناضل الدول للوصول إلى السبيل الأمثل للتعامل مع مقاتلي «داعش» العائدين إلى أوطانهم. داخل الولايات المتحدة، تبدو الأدوات والحلول الواضحة. لقد اقترف هذا المقاتل جريمة، واليوم عليه قضاء عقوبتها في السجن.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»