كيث برادشر
TT

اتقاءً للانكماش... البنك المركزي الصيني يوقف شراء السندات

استمع إلى المقالة

في إشارة لافتة إلى ركود الاقتصاد الصيني، أعلن البنك المركزي، الجمعة، أنه توقف مؤقتاً عن شراء السندات الحكومية.

ويهدف هذا الإجراء، غير المتوقع من جانب البنك المركزي، إلى كبح جماح التحول الأخير من جانب المستثمرين نحو شراء السندات، مع تجنب الأصول الأكثر خطورة، مثل الأسهم والعقارات. وقد أدى هذا التحول إلى دفع أسعار الفائدة طويلة الأجل في الصين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وجاء قرار التوقف عن شراء السندات الحكومية استثنائياً على نحو خاص، لأن أسعار الفائدة كانت ترتفع بالفترة الأخيرة في معظم أنحاء العالم، استجابة لمخاوف التضخم. أما القلق بشأن الاقتصاد الصيني فهو العكس: التضخم المنخفض المزمن، الذي يشكل السمة المميزة للركود.

داخل الصين، فقد كثير من عامة الناس الثقة، مع تراجع أسعار المساكن وأسواق الأسهم بصورة حادة. وسعت الأسر إلى الأمان عبر ضخ مبالغ قياسية من المال في الودائع بالبنوك التجارية المملوكة للدولة، رغم كسب فوائد هزيلة.

من ناحية أخرى، جابهت البنوك صعوبة بالغة في إقراض هذه الودائع للشركات. وتبدي شركات كثيرة، متشائمة حيال الوضع الاقتصادي، والتردد تجاه الاقتراض. في الوقت ذاته، فإن البنوك التي تعاني من الودائع الزائدة باستمرار استثمرت الأموال في السندات.

وتسبب ذلك في ارتفاع أسعار السندات، الأمر الذي أدى بدوره إلى خفض الفائدة التي تدرها السندات.

وعبر تعليق مشترياته من السندات الحكومية لفترة مؤقتة، يسعى البنك المركزي إلى إزالة أحد مصادر الطلب على السندات، الأمر الذي ربما يؤدي إلى إبطاء وتيرة ارتفاع أسعار السندات، وانخفاض أسعار الفائدة.

وفي بيان له، قال البنك المركزي الصيني: «ستستأنف العمليات في الوقت المناسب، بحسب ظروف العرض والطلب في سوق السندات الحكومية».

وجاء قرار البنك المركزي، المعروف باسم بنك الشعب الصيني، لافتاً؛ لأن البنوك المركزية التي تواجه ضعف النمو عادة ما تشتري السندات لضخ الأموال في الاقتصاد. وهذا تحديداً ما فعله بنك الاحتياطي الفيدرالي في أثناء الأزمة المالية العالمية قبل 16 عاماً، وكذلك الاضطرابات المالية الأخرى الأخيرة.

من جهته، أعلن بنك الشعب الصيني، مؤخراً، أنه سيوفر أموالاً وفيرة بهدف تحفيز النمو الاقتصادي. وفي الرابع من يناير (كانون الثاني)، قال البنك إن «الصين ستطبق سياسة نقدية متساهلة على نحو معتدل، بهدف خلق بيئة نقدية ومالية مناسبة للنمو الاقتصادي المستقر».

من ناحيته، عبّر مارك وو، مدير «مركز فيربانك للدراسات الصينية»، التابع لجامعة «هارفارد»، عن اعتقاده بأن «الحديث يدور حول إرسال إشارات متضاربة. الخطوة التي اتخذت اليوم ليست بالتأكيد ما كنا لنتصوره ليكون ذلك خطوة تالية بعد التصريح الصادر الأسبوع الماضي».

وتُشكّل عمليات الشراء النشطة للسندات، من قِبَل البنك المركزي، وصفةً سياسيةً قياسيةً للاقتصادات التي تواجه خطر الانكماش، أو انخفاضاً في الأسعار على نطاق واسع.

في الصين، ارتفعت أسعار المستهلك، العام الماضي، بنسبة 0.1 في المائة فقط. وانخفضت أسعار الجملة التي تفرضها المصانع بأكثر من 2 في المائة، كما تراجعت أسعار التصدير بما يصل إلى 8 في المائة.

ورغم علامات توقف النشاط الاقتصادي، فإن صنّاع السياسات الصينيين يساورهم القلق إزاء الارتفاع السريع في أسعار السندات. ومن خلال وقف عمليات شراء السندات الحكومية، تحاول بكين منع ظهور فقاعة. وإذا انخفضت أسعار السندات في وقت لاحق، فقد يؤدي هذا إلى تكبد البنوك التجارية خسائر.

ومن شأن وقف عمليات شراء السندات، والحد من انخفاض أسعار الفائدة كذلك، مساعدة بنك الشعب في وقف الانخفاض الأخير في قيمة العملة الصينية، مقابل الدولار، خصوصاً وأن الفجوة الواسعة بين أسعار الفائدة في الصين والولايات المتحدة، دفعت الشركات والأسر في الصين إلى بيع اليوان وشراء الدولار.

وتسبب ذلك في انخفاض قيمة الرنمينبي، خصوصاً في التجارة الأقل تنظيماً خارج البر الرئيس للصين. كما أدى ضعف الرنمينبي إلى تعزيز قدرة صادرات الصين على المنافسة في الأسواق العالمية، الأمر الذي أسهم في تحقيق فائض تجاري ضخم.

من جهتهم، لم يبد المستثمرون بأسواق الأسهم الصينية حماسة تجاه هذا التحرك من قِبل البنك المركزي. وتراجع مؤشر «سي إس آي 300» لأسهم الشركات الصينية الكبرى المتداولة بأسواق الأسهم في البر الرئيس من البلاد، بأكثر من 1 في المائة. وفي هونغ كونغ، انخفض مؤشر «هانغ سنغ» بنحو 0.8 في المائة. وانخفض المؤشران بنحو 5 في المائة منذ بداية العام الجديد، ما يمثل أداءً أضعف من أداء الأسواق الرئيسة الأخرى.

من جهتهم، كثيراً ما ردّد المسؤولون الصينون أنهم مستعدون للمساعدة في تعزيز الإنفاق والأسعار، عبر ضخ مزيد من الإنفاق العام. هذا الأسبوع، عمدوا بالفعل إلى توسيع برنامج يهدف إلى حث المستهلكين على استبدال السيارات والأجهزة القديمة، وشراء أخرى جديدة. وفي حين عززت هذه الجهود الإنفاق، يرى مستثمرون واقتصاديون أن بكين يجب أن تتخذ إجراءات مالية أهم.

وشدّد خبراء اقتصاديون من البنك الدولي وعدد من الجامعات داخل وخارج الصين، على أنه يتعين على بكين أن توسع شبكة الأمان الاجتماعي، عبر زيادة معاشات التقاعد الحكومية، وتعزيز النظام الصحي.

من جهته، قال لياو مين، نائب وزير المالية، خلال مؤتمر صحافي، الجمعة، إن الصين تخطط لزيادة عجز ميزانيتها هذا العام، لكنه لم يحدد مقدار ذلك. وأضاف: «سيجري تعزيز السياسة المالية بشكل كبير؛ لدعم الاستقرار الاقتصادي والنمو»، مؤكداً بذلك على الموقف الحكومي الراهن.

وأبدى زعماء الصين حذرهم تجاه زيادة الاقتراض. يُذكر أن الديْن الإجمالي في الصين، الذي تقترضه الحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة بشكل رئيس، أعلى بالفعل بالنسبة لحجم الاقتصاد مقارنة بالولايات المتحدة.

كما التزمت القيادة الصينية الاستثمار في قطاع التصنيع الضخم بالبلاد، الذي يُعد الأكبر في العالم، وفي بناء حشود عسكرية مكثفة في البلاد.

* خدمة «نيويورك تايمز»