عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

حرب ترامب العالمية ضد «الإسلام الراديكالي»

عندما يقول مايكل فلين، الرجل الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ليكون مستشاره للأمن القومي، إنه مستعد «لخوض حرب عالمية أخرى»، يجب أن نعي أن الرسالة موجهة بالأساس للعالمين العربي والإسلامي. فالحرب التي يتحدث عنها فلين هي حرب ضد «الإسلام الراديكالي» حسب المصطلح الذي يستخدمه الرئيس المنتخب وعدد من أفراد الدائرة المحيطة به.
فلين تحدث عن هذه الحرب في كثير من تصريحاته، وكذلك في كتابه الذي نشره الصيف الماضي (بالاشتراك مع مايكل ليدين المحلل والمؤرخ اليميني المتشدد) بعنوان «ساحة الحرب.. كيف يمكن أن نكسب الحرب الكونية ضد الإسلام الراديكالي». وهو بالتأكيد ليس الوحيد الذي يتبنى هذا النهج بين المعينين أو المرشحين لشغل مناصب مهمة في إدارة ترامب المقبلة. فهناك توقعات واسعة بأن إدارة ترامب سوف تتبنى مصطلحها الخاص لحرب الإرهاب وهو «الحرب ضد الإسلام الراديكالي».
لو كان الأمر مجرد تغيير في المصطلحات بين إدارة وأخرى، لما كان الأمر سيثير اهتمامًا، لكن المشكلة هي أن دائرة ترامب في مجال الأمن والدفاع تضم شخصيات تخلط بين الإسلام بوصفه ديانة يعتنقها نحو مليار ونصف مليار إنسان حول العالم، وبين ممارسات إرهابيين يشكلون أقلية ضئيلة ويحملون فكرًا متطرفًا جانحًا ومنبوذًا من الغالبية العظمى من المسلمين. إدارة أوباما، مهما قيل في حقها من انتقادات، إلا أنه يسجل لها أنها حرصت على عدم استخدام تعبيرات ومصطلحات لحرب الإرهاب ترسخ صورة نمطية عن المسلمين وتربط بينهم وبين الإرهاب.
ترامب من جانبه، لم يحاول تجنب هذا الخلط، بل سعى للتأجيج وهاجم إدارة أوباما متهمًا إياها بتفادي استخدام تعبير «الإسلام الإرهابي» أو «الإسلام الراديكالي»، قائلاً إنها بذلك تبدو ضعيفة في تحديدها للعدو ومواجهته. وذهب عدد من مستشاري الرئيس المنتخب أبعد من ذلك بكثير في مواقفهم وتصريحاتهم، إذ تحدثوا عن «حرب آيديولوجية» و«حرب دينية» وعن «مواجهة مصيرية» مع الإسلام الراديكالي. فلين، على سبيل المثال، اعتبر الخوف من الإسلام مبررًا، ودعا لحرب آيديولوجية ضد الإسلام الراديكالي قائلا: «يجب ألا نشعر بالذنب إذا وصفناهم (الإرهابيين) بالقتلة المتعصبين الذين يقاتلون نيابة عن حضارة فاشلة».
كاثلين ماكفارلاند، التي اختارها ترامب لتكون نائبة لفلين في مكتب الأمن القومي، ترى أيضًا أن العدو هو «الإسلام الراديكالي»، وتطالب بوقف «الدماثة الأخلاقية» في التعامل مع موضوع الإرهاب، وبضرورة تسمية الأشياء بأسمائها «فالإسلام الراديكالي هو التهديد الأكبر للحضارة الغربية مثلما كانت الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، ومثلما كانت الشيوعية خلال الحرب الباردة»، على حد قولها. وفي مواقفها المعلنة أيضًا دعوة أميركا والغرب «لاستخدام كل ما لديهم من أسلحة، سواء السلاح الاقتصادي، أو السلاح الآيديولوجي، أو السلاح الديني، أو القوة العسكرية، أو تقييد الهجرة» في محاربة الإسلام الراديكالي «مثلما فعلنا لهزيمة الشيوعيين والنازيين»، على حد تعبيرها.
مايك بومبيو الذي اختاره ترامب لمنصب مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) يتبنى أيضًا نهجًا متشددًا يجنح إلى الخلط أحيانًا بين الإسلام والإرهاب. فقد هاجم، بعد تفجير ماراثون بوسطن في عام 2013، مسلمي أميركا واتهمهم بالصمت والتواطؤ مع الإرهابيين. وهو يتبنى شعار الرئيس الأسبق جورج بوش في حرب الإرهاب: «إن لم تكن معنا فأنت ضدنا»، إذ قال في أحد خطاباته: «هل أنت معنا أو ضدنا؟ إذا كنت معنا فليوفقك الله ولنذهب معًا لقتالهم (الإرهابيين)، وإذا كنت ضدنا فلتعلم أن لدي صاروخًا يبحث عنك».
هذه نماذج قليلة من تصريحات ومواقف لأعضاء في فريق ترامب، تثير القلق والتساؤلات بشأن سياسة الإدارة المقبلة في إحدى أولوياتها الأساسية التي أعلنتها، وهي حرب الإرهاب. ذلك أن الخلط بين الإسلام ككل والإرهاب، أو إعطاء الحرب ضد الإرهاب صبغة حرب حضارات، أو اعتبارها مرحلة «في حرب تاريخية طويلة بين الغرب المسيحي - اليهودي والعالم الإسلامي»، كما يقول ستيف بانون الذي عينه ترامب كبيرًا للمخططين الاستراتيجيين في البيت الأبيض، سيكون أخطر نكسة للجهود العالمية في حرب الإرهاب. فالمتطرفون والإرهابيون سيكونون الرابح الأكبر من مثل هذه الاستراتيجية، وشعاراتها الآيديولوجية المسطحة، وسيوظفونها في دعاياتهم للتجنيد والتضليل.
من منطلق هذا القلق لم يكن غريبًا أن يوجه جون برينان مدير الـ«سي آي إيه» الذي يستعد لمغادرة منصبه في يناير (كانون الثاني) المقبل، تحذيرًا علنيًا لإدارة ترامب المقبلة من مغبة الشطط في اللغة المستخدمة في حرب الإرهاب. فالموضوع أعقد وأهم من أن يعالج بالسطحية التي أبداها ترامب، أو بروح التعصب والعنصرية التي يلمسها المرء في مواقف بعض المحيطين به. والإدارة المقبلة لا بد أن تدرك عاجلاً أم آجلاً أنها تحتاج إلى التنسيق والتعاون مع الدول العربية والإسلامية في حرب الإرهاب، وإلا فإن سياساتها ستدفع العالم نحو مرحلة أكثر خطورة ودموية في هذه الحرب المكلفة.