وكأن إدارة الرئيس أوباما مصرة على أن تبقى صادقة مع نفسها وغير صادقة مع الآخرين حتى آخر يوم في ولايتها، خرجت في أعقاب معركة حلب بتهديد عسكري لروسيا سرعان ما ردت موسكو عليه بالتهديد بـ«عواقب ومفاجآت» إذا ما ضربت القوات الأميركية سوريا.
في لبنان مثل شعبي يقول: «لو بدها تمطر لكانت غيّمت».. وغيوم التهديدات الأميركية تبددت منذ 20 أغسطس (آب) 2012، يوم هدد نظام الرئيس الأسد بالويل والثبور وحشد أسطول التدخل العسكري قبالة الساحل السوري.. ليتراجع عن التهديد والوعيد في أقل من أربع وعشرين ساعة، ويعود إلى طبيعته المسالمة ليغلبها على ما عداها من اعتبارات سياسية واستراتيجية في الشرق الأوسط.
روسيا أول من أدرك أن تهديدات الرئيس أوباما كانت سحابة صيف وانقشعت؛ لتترك لسلاحها الجوي في سوريا أجواء صافية تصول فيها وتجول وتقصف بلا رادع أو حسيب.
واليوم، و«بعد خراب البصرة» - والأصح حلب في هذا السياق - هل تقدم إدارة أوباما على عمل عسكري لم تقدم عليه عام 2012، يوم كانت مستندة إلى موقف دولي من ترسانة سوريا الكيماوية؟
سرعة الرد الروسي على تهديدات إدارة أوباما، وطابع التحدي الذي صيغت به، كافيان للكشف عن استخفاف موسكو بها.
لماذا يأخذ الرئيس بوتين تهديدات إدارة أوباما على محمل الجد وعادة ما تبدأ بقرقعة السلاح لتنتهي بالتلويح بعقوبات اقتصادية مشكوك بفعاليتها؟
ما يتعامل بوتين معه في الشرق الأوسط ليس مصير سوريا ولا «الإرهاب الدولي» فحسب، بل هيبة الولايات المتحدة وسمعتها لدى أصدقائها وحلفائها، فلا غرابة أن يضفي تردد أوباما في مواجهة تحديات بوتين المتكررة في سوريا مصداقية سياسية على مقولة كثير من مسؤولي دول المنطقة بأن عداوة أميركا خطرة.. وصداقتها أخطر منها.
لا جدال في أن بوتين يمر حاليًا بأفضل أيام عهده أي الأربعة شهور التي تفصل أوباما عن نهاية ولايته في يناير (كانون الثاني) 2017.
بنظر الرئيس الروسي وحساباته التكتيكية، قد يكون أفضل وصف يطلق على الشهور المتبقية من ولاية الرئيس أوباما هو «الشهور الذهبية»، فمن تحصيل الحاصل أن ما لم يقدم عليه أوباما في أوج ولايته لن يفعله عشية غروبها.
نادرًا ما جرت رياح واشنطن بما تشتهيه سفن موسكو كما تجري الآن.
الرئيس بوتين متيقن من حرص الرئيس أوباما على تجنب أي توتر إضافي في علاقة واشنطن بموسكو، الأمر الذي شجعه للرد على انتقاداتها لعمليات الجيش الروسي في حلب بتعليق العمل في اتفاق عام 2000 الخاص باستعمال مادة البلوتونيوم، دون كبير اكتراث بتداعياته على العلاقات الثنائية.
وواشنطن، بدورها، تدرك أن الوضع في سوريا، بعد معركة حلب يختلف عما كان عليه قبلها، ففي فبراير (شباط) - مارس (آذار) الماضيين انهارت الهدنة في سوريا بسبب تصرفات الأطراف السورية المتنازعة، فبقي واردًا احتمال تعاون أميركا وروسيا على تسوية سياسية للنزاع السوري.
أما الانهيار الراهن للهدنة فقد كان بسبب قصف الطيران الأميركي للقوات السورية النظامية في دير الزور (وصفته واشنطن «بالخطأ») ومهاجمة قافلة مساعدات إنسانية لحلب، حمّلت واشنطن روسيا مسؤوليته.
على خلفية هذه التطورات يسعى الرئيس بوتين لاستغلال الأشهر المتبقية من ولاية الرئيس أوباما لضرب عصفورين بحجر واحد:
- تشديد قبضة رئيس النظام السوري، بشار الأسد على السلطة في دمشق، وتوسيع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها بعد أن فقدها لسنوات.
- تقليص «الخيارات السورية» للرئيس الأميركي المنتخب بحيث يواجه في مطلع عهده «الأمر الواقع» الذي فرضه التدخل العسكري الروسي في الشطر الغربي من سوريا - التي كان الانتداب الفرنسي يطلق عليها تسمية «سوريا المفيدة».
.. وكالعادة في كل حروب سوريا، نخسر «الأرض» ونكسب «النظام».
7:52 دقيقه
TT
سباق بوتين مع ولاية أوباما
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة