أدى تقرير وكالة الطاقة الدولية حول فرضية وصول استهلاك النفط إلى ذروته بحلول عام 2029، في حال استمرار زيادة الإنتاج النفطي من الولايات المتحدة ودول أخرى غير أعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»؛ حيث سيبدأ حصول تخمة في أسواق النفط، ما ستؤثر سلباً على أسعار النفط ابتداءً من عام 2030، إلى اهتمام واسع في وسائل الإعلام النفطية، وإلى رد فعل سريع من الأمين العام لمنظمة «أوبك»، هيثم الغيص، يفنّد فيه بيان الوكالة، التي تخدم مصالح الدول الصناعية الغربية، وكيف أن هذا البيان يختلف كلياً عن توقعات «أوبك».
يشكّل توقع الوكالة جزءاً من المحاولات القائمة في مرحلة تحول الطاقة، المرحلة التي تحاول التركيز على الاستغناء التدريجي عن النفط والغاز، بدلاً من التركيز على تقليص الانبعاثات الهيدروكربونية. هذه المرحلة التي تواجه صعوبات جيوسياسية جمة في تحقيق أهدافها. فمثلاً، بدلاً من تشجيع صناعات الطاقات المستدامة لخفض الانبعاثات، تركز على التشويش على صناعة النفط. فأوروبا على سبيل المثال، مهتمة الآن بزيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين. كما من المتوقع أن تزداد الضرائب الأوروبية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين في ظل فوز الأحزاب اليمينية المتشددة في الانتخابات الأوروبية التي تبنت مواقف واضحة ضد سياسات البيئة، كما تبين ذلك مؤخراً في مساندتها احتجاجات المزارعين والفلاحين ضد هذه السياسات. والأمر لا يختلف كثيراً عنه في الولايات المتحدة؛ حيث تشرع القوانين الواحد تلو الآخر لزيادة الرسوم الجمركية على لوائح الطاقة الشمسية المستوردة من الصين، ناهيك عن القيود المفروضة على الشركات النفطية في الاستكشاف والإنتاج في الأراضي الفيدرالية أو بعض المناطق البحرية. وطبعاً، ومع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، يعيد احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض إلى الأذهان قراره خلال رئاسته الأولى بسحب عضوية الولايات المتحدة من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ.
من جانبه، حذّر مقال الأمين العام هيثم الغيص، على الموقع الإلكتروني للمنظمة، من تعريض الحاضر للخطر، بحجة إنقاذ المستقبل؛ حيث أسهب في عرض المخاطر التي سيشهدها الاقتصاد والمجتمع الدولي دون نفط. وأكد الغيص على دراسات وتوقعات منظمة «أوبك» حول العرض والطلب المستقبلي على النفط. هذه التوقعات التي تختلف وتتباين عن توقعات وكالة الطاقة الدولية. وأكد الغيص أن ذروة النفط ليست في توقعات «أوبك». كما وصف تعليقات وكالة الطاقة بأنها «خطيرة» ولا تستند إلى حقائق، ولن تؤدي إلا إلى تقلبات الطاقة على نطاق غير مسبوق.
وأكد الغيص أنه «بطبيعة الحال، يرغب الجميع في رؤية انخفاض في انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي. وتعتقد منظمة أوبك أن الحلول التكنولوجية وتحسينات الكفاءة يمكن أن تلعب دوراً حيوياً. وصناعة النفط نشطة بالفعل في هذا الصدد».
من الجدير بالذكر أن بدائل الطاقة المستدامة لم تستطع حتى الآن الإحلال محل الطاقة الهيدروكربونية رغم استثمار نحو 9.5 تريليون دولار في الصناعات المستدامة خلال العقدين الماضيين. ورغم التوسع في صناعتي الطاقة الشمسية والرياح طوال العقود الماضية، فهما لا يشكلان أكثر من 4 في المائة من سلة الطاقة العالمية، هذا بينما لا يشكل حجم المركبات الكهربائية في العالم أكثر من 3 في المائة من مجمل عدد المركبات على الطرق.
في الوقت نفسه، وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية» أمين الناصر، في محاضرة له في مؤتمر «سيراويك» مؤخراً، فإن حصة الهيدروكربونات في سلة الطاقة العالمية قد تراوحت خلال العقدين الأولين من هذا القرن، ما بين 80 و83 في المائة من مجمل سلة الطاقة العالمية. كما أن الطلب العالمي على النفط خلال العقدين الماضيين فاق 100 مليون برميل يومياً، وهو يسجل أعلى معدل قياسي له خلال هذا العام.