إن مجالات المنافسة بين أميركا والصين تتناول موضوعات متعددة ومهمة، لعل في مقدمتها سياسة تمويل التنمية والبنية التحتية في العالم، والتي تعتبر مكوناً رئيسياً في السياسة الخارجية لأميركا مع سعيها لتعزيز مصداقيتها من خلال عدد من المبادرات المرتبطة بالبنية التحتية، ومنها الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، وشراكة البنية التحتية الثلاثية، ومنتدى الأمن الرباعي؛ إذ إن كل هذه المبادرات تستهدف التصدي لمبادرة الحزام والطريق، حيث أكدت قمة مجموعة الدول الصناعية الكبرى التي عقدت خلال الفترة ما بين 11 إلى 13 يونيو (حزيران) 2021 في كوروال البريطانية، إنشاء صندوق البنى التحتية العالمي لإعادة بناء العالم في شكل أفضل، والذي سيكون أكثر إنصافاً بكثير من «مبادرة الحزام والطريق»، حسب ما جاء في بيان مجموعة السبع؛ إذ إن تصاعد التحدي الصيني كان الدافع وراء سعي أميركا لإصلاح سياستها الاقتصادية بما يضمن استمرار التفوق الأميركي العالمي.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى قانون الإبداع والمنافسة الأميركية باعتباره مؤشراً على التغيير الإيجابي في السياسة الاقتصادية الأميركية؛ إذ يعرف هذا القانون باسم «قانون الصين»، حيث يمكن القول إن الصين كانت السبب وراء تشريع هذا القانون الذي يحاكي النموذج الصيني.
وفي إطار التنافس الاقتصادي الدولي بين الصين وأميركا، تقدمت الصين عام 2014 بمبادرتين في الذكرى العاشرة لتأسيس «منتدى التعاون العربي الصيني»، فيما يعرف بمبادرتي «الحزام» و«الطريق»، إذ قامت الصين بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية لتطوير طريق الحرير التاريخي الذي يربط الصين بأوروبا تجارياً عبر آسيا الوسطى والغربية، والذي انضم إليه نحو 50 دولة من بينها 19 دولة عربية، ويهدف إلى تعزيز التعاون المالي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتمويل مشاريع البنية التحتية المختلفة في آسيا. وتعد مبادرة الحزام والطريق مشروعاً اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً شاملاً يهدف إلى إبراز القوة الاقتصادية للصين على مستوى العالم، ويحقق العديد من الأهداف الاستراتيجية الأخرى للصين.
تعد أميركا من أبرز العوائق التي ستعيق تنفيذ هذا المشروع، حيث إنه سيؤدي إلى ازدياد الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، مما سيؤدي إلى إضعاف الدور الأميركي في العالم، ولهذا السبب أصرت أميركا في قمة مجموعة الدول الصناعية الكبرى على إنشاء صندوق البنى التحتية العالمي لإعادة بناء العالم مقابل مبادرة الحزام والطريق، وبناءً على ذلك أرى أن الصراع المقبل سيكون تنافساً اقتصادياً بين أميركا والصين بعيداً عن الصراع العسكري بينهما؛ لأنه خيار مكلف جداً للطرفين في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية والصحية وغيرها التي تسود العالم.
ولا يبدو الموقف أقل التباساً بالنسبة للاقتصاد الصيني في 2023، فالصين تخلت عن سياسة «صفر كوفيد -19» وما تتضمنه من قيود وإجراءات مشددة للحد من انتشار العدوى، وأصبحت الآن تركز على الاستقرار الاقتصادي، ومن المرجح أن تشهد الصين نمواً في الاستهلاك المحلي مع تجاوز الموجة الحالية من الإصابات بفيروس «كورونا»، لكن لا يبدو أن هناك دعماً واضحاً من صناع السياسة للاستهلاك المحلي، في المقابل قد يستقر قطاع العقارات المضطرب بفضل إجراءات الدعم الحكومي الأخيرة، لكن من غير المحتمل أن تساهم الإجراءات في تشجيع الصادرات لتعزيز نمو الاقتصاد؛ نظراً لتباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل عام.
في المقابل، سيظل العالم يعاني تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة قيمة الدولار، وقد يتخلف كثير من الدول عن سداد الديون بالعملات الأجنبية؛ لأن تشديد السياسة النقدية الأميركية قلص مستويات السيولة النقدية في أميركا، وبالتالي تراجعت كميات السيولة النقدية التي كان يمكن استثمارها في أدوات الدين للدول النامية، حيث إذا كانت تطورات الاقتصاد العالمي هي التطور الأهم، فإن الشيء الآخر هو تطور العلاقات الاقتصادية الأميركية مع دول آسيا والمحيط الهادئ، إذ إن العام 2023 سيكون بمثابة اختبار لمدى نجاح السياسة التي تتبناها أميركا.
وفي الختام، تتوسع أميركا في فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين؛ إذ إن القيود على تصدير التكنولوجيا تستهدف حرمان الصين من الوصول إلى أحدث تقنيات أشباه الموصلات والمعدات اللازمة لإنتاجها، إذ تعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية في استراتيجية الحد من الصادرات الأميركية تجاه الصين، إذ لم تعد تسمح للدول المنافسة بالصعود على سلم تطور التكنولوجيا خلف أميركا، وإنما سيتم استخدام القيود على الصادرات لكي تحتفظ أميركا بأكبر درجة من الريادة والصدارة في مجال التكنولوجيا.
TT
المنافسة على المصالح الاقتصادية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة