بدا للحظة وجيزة الشهر الماضي وسط الأيام الفوضوية والمأساوية لأطول حرب في أميركا، كما لو أن الكونغرس الديمقراطي سيجري تحقيقاً نزيهاً في إدارة «الحزب الديمقراطي»، حيث كانت الهوة بين الواقع على الأرض وخطاب البيت الأبيض شاسعة.
لم يدم الأمر طويلاً. فمع بدء جلسات الاستماع الأسبوع الماضي، عاد الكونغرس إلى معسكراته الحزبية، حيث يريد أعضاء الحزب الديمقراطي إلقاء اللوم على جميع من حولهم، كما اتضح من عنوان جلسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الاثنين: «أفغانستان 2001 - 2021: تقييم الانسحاب والسياسات الأميركية». الرسالة هنا واضحة: لا تلوموا الرئيس جو بايدن لخسارته في حرب لا يمكن الانتصار فيها.
أعضاء الحزب الجمهوري ليسوا أفضل بكثير، حيث يريد كثيرون نسيان المفاوضات الغادرة مع «طالبان»، التي أجرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب. حتى إن ترمب نفسه أصدر بياناً ألقى باللوم على الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، في إطلاق سراح 5000 سجين من «طالبان» في عام 2020. ولم يذكر أن غني فعل ذلك بناء على طلب مبعوث ترمب الخاص.
فشل إشراف الكونغرس حتى لم يكن بالمفاجأة. لكن يجب ألا تكون الأمور على هذا النحو، إذ يجب على الأعضاء الجادين في الكونغرس إنشاء لجنة مستقلة من الحزبين لفحص إخفاقات الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
يجب أن تدرس هذه اللجنة أربع مجموعات مختلفة من الأسئلة: من وكم عدد الأفغان والأميركيين الذين بقوا هناك؟ وذلك سواء تم تجاهل المعلومات الاستخبارية حول مرونة حكومة أفغانستان وجيشها، أو ثبت عدم جدواها، ولماذا تخلى الجيش الأميركي عن قاعدة «باغرام» الجوية قبل خروج المدنيين الأميركيين من البلاد؟ وما هو الدور الذي لعبه الجيش الباكستاني في حملة «طالبان» الناجحة لإسقاط الحكومة المنتخبة في أفغانستان.
تكمن قيمة اللجنة المستقلة في أنها ستوفر بعض العزل عن الضغوط اليومية لسياسة واشنطن. إذا كانت عضويتها تضم شخصيات مثل وزير الدفاع السابق ورئيس وكالة المخابرات المركزية ليون بانيتا، أو الممثل السابق لـ«ميزوري» والسيناتور جيم تالنت، فسيكون هناك إغراء أقل لاستخدام جلسات الاستماع كمنصة لإنشاء مقاطع فيديو فيروسية. سيكون لدى هذه اللجنة أيضاً الوقت الكافي لفرز لعبة إلقاء اللوم التي تتكشف بالفعل ليس فقط بين الأطراف، لكن أيضاً بين الأوساط العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية.
بطبيعة الحال، فإن الطريقة الرئيسية التي يحاسب بها الجمهور الأميركي رئيسه هي من خلال صناديق الاقتراع. لكن تلك الانتخابات ما زالت تفصلنا عنها ثلاث سنوات. وفي غضون ذلك، يمكن لـ«لجنة الهزيمة في أفغانستان» إثبات الحقائق التي يمكن للناخبين إصدار أحكام بشأنها.
هذه الحقائق غير متوفرة حالياً. لم تكن الجولة الأولى من جلسات الاستماع في الكونغرس أكثر من مجرد تمرين في تمرير المسؤولية، إذ لا يزال وزير الخارجية أنطوني بلينكن يقول إنه يعتبر الجسر الجوي الشهر الماضي نجاحاً كبيراً، ولن يقدم إجابة مباشرة عما إذا كانت الإدارة تقدم رشوة لـ«طالبان» بوعود بالمساعدة والاعتراف للسماح للمواطنين الأميركيين المتبقين والحلفاء الأفغان بالمغادرة بأمان.
ستعاني الولايات المتحدة من عواقب هزيمتها في أفغانستان لسنوات. لقد دفعت بالفعل ثمناً من سمعتها العالمية، بين الحلفاء والخصوم على حد سواء. وإذا كانت التحذيرات الأخيرة صحيحة، فستصبح أفغانستان قريباً ملاذاً آمناً للإرهاب الدولي مرة أخرى. ومن شأن اللجنة المستقلة أن تمنح فرصة للرؤساء المستقبليين للتعلم من هذا الخطأ الفادح، وستمنح كذلك المواطنين فرصة لمحاسبة قادتهم الحاليين.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»