حري بأولئك الذين يخشون اندلاع وشيك للحرب الباردة ما بين الولايات المتحدة والصين أن يلقوا نظرة فاحصة إلى سوق السندات للوقوف على دلائل الذوبان المحتمل للجليد بين البلدين.
ففي خضم أسبوع مر سريعاً على الأسواق الأميركية، تمكنت الصين من بيع السندات المقيّمة بالدولار الأميركي بقيمة قياسية بلغت 6 مليارات دولار؛ مما أسفر عن تراكم نحو 20 مليار دولار من طلبات المستثمرين التي سمحت للصين بتقييد هوامش العائدات لقاء الاقتراض منخفض التكاليف.
ورغم أنها خطوة لم تكن متوقعة من جانب الجميع - فتلك هي المرة الثالثة على التوالي التي تقترض الصين فيها باستخدام العملة الأميركية في هذا الوقت من العام - فإنها تعد بمثابة إشارة واضحة للمستثمرين العالميين بأن النزاعات التجارية الراهنة والمستمرة مع الولايات المتحدة لن تشكل عائقاً يمنع الصين والمصدرين المحليين من الاندماج الذاتي في الأسواق المالية في أرجاء العالم كافة. ومن المحتمل أن تشير أيضاً إلى الحد الذي يقيد المدى الذي تقف عنده التوترات المستمرة ما بين أكبر نظامين اقتصاديين على مستوى العالم.
وأصدرت وزارة المالية الصينية بياناً قالت فيه، إن أحد أهدافها من وراء مبيعات الديون بالدولار هو المساعدة في بناء منحنى العائدات القياسية للمصدرين الصينيين. ومن شأن ذلك الأمر أن يخدم غرضين مهمين: فسوف يسمح للشركات الصينية متعددة الجنسيات بجمع الأموال بالعملة الأميركية بسهولة أكبر، في حين منح المصارف الصينية في الوقت نفسه الخيار المحلي لتخصيص الودائع بالدولار الأميركي. وبفضل الصفقات التي أبرمت خلال الأسبوع الحالي، مع الاستحقاقات الجارية من 3 إلى 20 عاماً، سوف يكون على الصين الآن ديون بالدولار الأميركي تستحق السداد من عام 2022 إلى جزء صغير في عام 2096.
ومن المهم أن نتذكر أن الصين ليست في حاجة ماسة إلى القيام بكل ذلك. فهي تملك الوصول الكامل إلى العملة الأميركية التي تحتاج إليها في صورة حيازات الخزانة الأميركية بقيمة 1.1 تريليون دولار. وقرار بيع جزء من الحيازات الصينية من شأنه فعلياً أن يؤدي الغرض نفسه من بيع السندات بالدولار، إلا أنه سوف يُضعف إلى حد ما الصلات ما بين البلدين. أما خلق الأساس لسوق الديون الدولارية القوية في الأسواق الصينية، من جهة أخرى، يؤدي إلى نتيجة عكسية. وبالفعل، تتجاوز قيمة هذه السوق 740 مليار دولار، مع المبيعات المسجلة في عام 2019 الحالي على وتيرة بلوغ أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وحتى في خضم هذا الحجم الهائل، فإن السندات الصينية بالدولار الأميركي (وسندات البلدان الأخرى كذلك) لا تزال خاضعة في خاتمة المطاف إلى نزوات المسؤولين الأميركيين في واشنطن. وفي وقت سابق من العام الحالي، كانت الإدارة الأميركية تناقش أساليب الحد من تدفقات محافظ المستثمرين الأميركيين إلى الصين، مثل حذف الشركات الصينية من على قوائم البورصات الأميركية، والحد من تعرض الشركات الأميركية للأسواق الصينية من خلال صناديق التقاعد الحكومية. وأشارت الإدارة الأميركية إلى القيود التي فرضتها بكين على نشر بعض المعلومات المالية، والتأثير غير المعتاد الذي تمارسه على الشركات الخاصة. ويرى الكثير من المستثمرين أن هذه الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة ذات عواقب وخيمة وتداعيات مدمرة تشبه تماماً طريقة الاستجابة الأميركية للتهديدات الصينية بإغراق سندات الخزانة والتسبب في ارتفاع حاد للغاية في العائدات. بعبارة أخرى، يُنظر إلى الأسواق المالية المتكاملة بصورة كبيرة على أنها الخط الأحمر الذي لا ترغب أي من البلدين الكبيرين في تجاوزه على طول خط المواجهة بينهما.
ومن شأن التعمق الصيني الأخير في السندات الدولارية أن يعمق من هذا الافتراض. وبقدر ما تلقي الدولة بثقلها في الأسواق المالية، فإن نظامها المالي المعروف هو أبعد ما يكون عن مدار الولايات المتحدة الأميركية وأسواقها المالية. ولا تعتبر عملة اليوان الصيني من العملات الرئيسية في التداولات حول العالم. وفيما يتصل باقتصادات البلدان المتقدمة الأخرى وأسواقها المالية، تفتقر الصين إلى حد كبير إلى وجود المستثمرين المؤسسيين الكبار أمثال شركات التأمين وصناديق التقاعد.
ولهذه الأسباب وغيرها، من المشكوك فيه الاستنتاج الآن أن الولايات المتحدة والصين على مشارف الجولة الجديدة من الحرب الباردة التي يمكن أن تتحول إلى ما هو أسوأ من الحرب العالمية الأولى، على نحو ما وصفها هنري كيسنجر في وقت سابق من الشهر الحالي.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:37 دقيقه
TT
أسوأ من الحرب العالمية الأولى
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة