لا يمكن لأي شخص أن ينكر أن صفقة تبادل الأسرى كان ثمنها باهظاً للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وإن كان للفلسطيني الضرر الأكبر، فهي صفقة كان المراد لها استنساخاً لصفقة شاليط (الجندي الأسير) المُربحة من دون خسائر، فتحولت إلى كارثة وخراب ودمار على غزة وما جاورها بسبب حسابات خاطئة أودت بحياةِ مَن فكر وخطط، وحتى مَن نفّذها.
وهي صفقة يجري تداولها في ظل تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بالقول: «إذا لم يجرِ إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير (كانون الثاني) 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه منصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون هناك ثمن باهظ في الشرق الأوسط».
صفقةٌ كثيراً ما يعرقلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشروط شديدة تضع العصي في دواليب العربة، أو بقصف مواقع محتملة كمخابئ للأسرى، ناهيك بحالة التعنت الدائمة، رغم بذل الوسطاء جهداً كبيراً في الوصول إلى اتفاق قد يُفضي إلى وقف الكارثة في غزة قبل المجاعة القادمة لا محالة، في ظل حصار تجويع مُمَنهج لمن تبقّى حياً من المدنيين.
تعنت نتنياهو وإفساده لأي صفقة، قال عنه بيني غانتيس، الوزير السابق بمجلس الحرب الإسرائيلي: «نتنياهو لن يعيد المحتجَزين في غزة أحياء، فهو منشغل بالبقاء السياسي، فقد عرقل صفقات التبادل بشكل ممنهج، بما في ذلك الصفقة الأولى».
وهي صفقة يحرَّر فيها بضع مئات من الأسرى الفلسطينيين، جُلّهم منتهية محكوميتهم، أو اعتقالهم أصلاً كان تعسفياً وبلا محاكمة، بينما يدفن عشرات الآلاف من الضحايا والشهداء، إذ تؤكد الحسابات الخاطئة أن حكومة حرب نتنياهو تقوم في محاولة استنساخ صفقة شاليط، ويستخدم فيها المسميات التوراتية على حروبه من دون رادع دولي.
تاريخ عمليات تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل تقترب من أربعين صفقة عبر تاريخ الحروب في الشرق الأوسط، وتشمل العرب أيضاً، وكانت في أغلبها تصب في صالح المقاومة منذ «صفقة الجليل»، و«صفقة وفاء الأحرار»، حيث فرضت المقاومة شروطها، وأُطلق فيها سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، مقابل بضعة جنود إسرائيليين.
أما اليوم فنحن أمام ثمن باهظ وفاتورة مرتفعة جداً من دماء المدنيين والشهداء والدمار والخراب والتهجير، بل فقدان الأرض مجدداً، والسبب هو حسابات كانت في البدء خاطئة لم تحسب قدرة آلة الحرب الإسرائيلية التدميرية بلا ضوابط أمام شعب من المدنيين أعزل من السلاح إلا من بعض البنادق.
في مقابل الصفقات الماضية التي كانت تجري: «أسير في مقابل مائة ونيف»، وأحياناً أكثر، فحوّلتها إسرائيل إلى «أسير مقابل أسير»، في معادلة شبه خاسرة للجانب الفلسطيني بعد استخدام جيش الحرب الإسرائيلي «بروتوكول هانيبال»، وهو إجراء يستخدمه لمنع أَسر جنوده، حتى لو كان ذلك بقتلهم، متخذاً من اسم القائد القرطاجي حنا بعل (يُلفظ بالإنجليزية هانيبال) الذي قتل نفسه حتى لا يقع في الأَسر، بينما الحالة هنا تختلف حيث الجيش الإسرائيلي هو من يتخلص من جنوده، وليس كما فعل القائد القرطاجي الشجاع حنا بعل، حيث يسمح البروتوكول بقصف مواقع الجنود الأسرى، إلا أن الجيش فشل في التخلص من أسراه، رغم المحاولات المتكررة بقصف مواقع يحتمل وجودهم فيها. ورغم أن البروتوكول كان شبه سري، لكن اعتماده عام 2006 كشف السرية عنه، خاصة بعد «طوفان الأقصى» ظهر «بروتوكول هانيبال» واضحاً مما دفع عشرات من أهالي الأسرى الإسرائيليين ليخرجوا في وجه نتنياهو ووزير حربه لإنقاذ أبنائهم من هذا البروتوكول. الصفقة ستبقى خاسرة للطرفين، وسيكون ثمنها تحرير أسرى في مقابل دماء من الطرفين.
اليوم، قادة «طوفان الأقصى» الرئيسيون اغتيلوا، لكن الدرس المستفاد أن استنساخ التجارب في ظروف مختلفة هو حسابات خاطئة، ولا يكفي لخوض معركة أو تحرير أسرى أو كسب ورقة تفاوض، فالعوامل كثيرة التي أنتجت هذه النهاية وهذا المَخرج الضيق، في حين كانت الحسابات الخاطئة تَعدُّه واسعاً، إضافة إلى مناورة «الواحد مقابل ألف»، ولكنها انتهت إلى غير هذا، بل حتى وقف إطلاق النار أصبح مؤقتاً، ولا نهاية للحرب في المنظور القريب، ولا مدة زمنية لوجود قوات جيش الحرب الإسرائيلي داخل غزة، وحتى خارجها في لبنان وسوريا حيث تجوب طائرات إسرائيل.
صفقة التبادل إنْ جرت تقضي بـ«عدم الإفراج عن كبار السجناء الفلسطينيين إلى الضفة الغربية المحتلة، بل نقلهم إلى الخارج». فهوية السجناء الفلسطينيين المشمولين بالإفراج، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى شمال القطاع، وإدارة المعابر، ومستقبل الحكم في غزة بعد الاتفاق، هي من الأمور التي يتحفظ عليها «كابينت» نتنياهو ويصر على إبعاد «حماس» من القطاع.