منذ اللقاء الذي جمع بين الرئيس فرانكلين روزفلت، والعاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود، أقيمت علاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تعكس تفاهماً حول المصالح المشتركة. ولأن من الطبيعي وقوع خلافات في وجهات النظر بين الأصدقاء، كان للبلدين نصيبهما منها، ولكنهما كانا ينظران دائماً إلى المصالح المشتركة الأعمق التي تجمعهما معاً.
في أثناء الحرب الباردة، كانت للبلدين مصالح مشتركة قوية في احتواء نفوذ الاتحاد السوفياتي وتقييده في الشرق الأوسط. وفي عهد إدارة ريغان، كان السعوديون هم من ساعد في نجاح الاستراتيجية الأميركية برفع التكلفة على السوفيات في أفغانستان، سواء كان ذلك من أجل مواجهة النفوذ السوفياتي أو عملائه، أو الحفاظ على استقرار سوق النفط بعد 1973. وقد تعاونت أميركا والسعودية من أجل مصالحهما ومصالحهما المشتركة.
حتى قبل انتهاء الحرب الباردة، رأت الدولتان في جمهورية إيران الإسلامية تهديداً. بيد أن مواجهة الراديكالية الشيعية لم تكن الأمر الوحيد الذي اتفقتا عليه؛ إذ كان هناك أيضاً تطرف صدام حسين. ونُشرت قوات أميركية في المملكة للمساعدة على شن حملة عسكرية في حرب الخليج عام 1991، ثم غادرت عندما انتهت الحرب.
لا تزال العوامل التي جذبت البلدين معاً في السابق - من رؤيتهما لتهديد الراديكالية، والرغبة في تغيير تطوري وليس في نظام جديد في الشرق الأوسط، والاعتقاد بأن سوق النفط المستقرة وإمداداته يجب ألا تخضع لتهديدات الفوضى أو الإكراه - منطبقة على الوضع في الوقت الحالي. علاوة على ذلك، عززت الصلات الأمنية والاقتصادية الممتدة على مدار الأعوام الإدراك المتبادل لأهمية العلاقات بينهما.
من جهة الأميركيين، يوجد شعور بالالتزام تجاه الأمن السعودي، استيعاباً منهم لمدى أهمية الأمن والاستقرار في المملكة من أجل الاستقرار الشامل في الشرق الأوسط الكبير. ترجع بعض أسباب ذلك إلى العلم بأن من يهددون المملكة يهددون الولايات المتحدة أيضاً. وترجع أسباب أخرى إلى الاعتماد المالي والاقتصادي الكبير المتبادل بينهما، إذ أنشأت شركات أميركية قدراً كبيراً من البنية التحتية السعودية، وتملك استثمارات كبرى في السعودية نتيجة لذلك. كما أقام السعوديون على مدار الأعوام استثمارات كبيرة للغاية في أميركا، حتى إن قيمة أصولهم في أميركا أصبحت تتجاوز 800 مليار دولار.
يشهد كل ما سبق على عمق العلاقات، ولكنها تتعرض لتوترات ترجع إلى 11 سبتمبر (أيلول)، وانتشار التفسيرات المتعصبة لفهم الإسلام التي كانت تطغى على بيانات تنظيم «القاعدة».
وفي ظل عدم وجود نموذج ناجح للتطور في أي من الدول العربية الكبرى حالياً، تسعى الدول والجماعات المتطرفة، علمانية وإسلامية، إلى ملء الفراغ وتساهم بالكثير في النزاعات بالمنطقة. إن لم يكن هناك شيء آخر، يجعل ذلك للولايات المتحدة مصلحة هائلة في نجاح خطة الإصلاح السعودية؛ فهي لن تملأ الفراغ الذي تسعى الجماعات المتطرفة إلى استغلاله باستمرار فحسب، بل من الممكن أن تصبح حينئذ نموذجاً ناجحاً قابلاً للتطبيق في دول أخرى من الشرق الأوسط أيضاً.
ولكن الصورة أو الرؤية الأكبر للمنطقة تائهة وسط النقاشات بشأن العلاقات.
في فترة تظهر فيها تهديدات حقيقية في المنطقة من جهة الإيرانيين والحوثيين وعملائهما، ومن الإسلاميين السنة المتطرفين - من «الإخوان المسلمين» وحتى «القاعدة» و«داعش» - تحتاج أميركا والسعودية إلى التنسيق.. يحتاج قادتهما إلى الانفتاح على بعضهم البعض ومناقشة الخلافات في بعض وجهات النظر، ومن الضروري إجراء نقاش صادق وصريح حول المصالح والقضايا الاستراتيجية. يجب أن يكون هذا النقاش منتظماً، وأن يتناول جميع القضايا الإقليمية والدولية. من المهم ألا نتحدث عن إيران أو الصراعات في المنطقة فحسب، بل أيضاً عن السياسات الروسية والصينية ونقاط التوافق والاختلاف. سيكون من المهم مقارنة التقييمات للأوضاع في اليمن وسوريا، بالإضافة إلى ما تنوي الإدارة الأميركية فعله بشأن السلام الإسرائيلي - الفلسطيني.
يجب أن يكون تجنب المفاجآت وتنسيق السياسات قدر الإمكان أساس هذه المحادثات. وبالنظر إلى أهمية مثل تلك المحادثات، أرى ضرورة أن يتواصل السعوديون مع الكونغرس، وأن يفعلوا ذلك على مستوى الحزبين. يمكن أن تتواصل السفيرة السعودية الجديدة الأميرة ريما بنت بندر، مع الديمقراطيين في الكونغرس، ولكن من الممكن كذلك دعوة القيادة السعودية لوفود من الحزبين للذهاب إلى المملكة لإجراء مباحثات صريحة. ويمكن أن يؤدي استماع كل طرف لمخاوف الآخر إلى البدء في احتواء بعض الخلافات في وجهات النظر بما من شأنه أن يخدم مصالح كلا البلدين.
- خاص بـ {الشرق الأوسط}
8:2 دقيقه
TT
أميركا والسعودية: إدراك متبادل لأهمية العلاقات
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة