وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

حرب تأكيد لبنانية لبنان

أول سؤال يتبادر إلى ذهن اللبناني المتابع لإنجازات جيشه في معارك جرود جبال السلسلة الشرقية هو: إذا كان جيش لبنان قادراً، وبالسلاح المتوفر له حالياً، على دحر مقاتلي «داعش» وانتحارييه في معارك ضارية على أرض وعرة يتحصن فيها التنظيم الإرهابي منذ سنوات... ألا يعتبر هذا الجيش مؤهلاً لحماية حدود وطنه بمفرده، وضمان استقراره لوحده وبلا «شريك مضارب» كلف نفسه، تطوعاً، بهذه المهمة؟
على ضوء هذه الخلفية تبرز الأهميتان الاستراتيجية والسياسية معاً لتأكيد المتحدث باسم المؤسسة العسكرية اللبنانية أنه لا تنسيق مع حزب الله، ولا مع الجيش السوري في معارك جرود جبال السلسلة الشرقية.
كائناً ما كان الدافع العملي لغياب التنسيق العسكري بين لبنان، وكل من حزب الله وسوريا يبقى قرار الاستقلال عن الغير في حرب الجرود قراراً حكيماً وجريئاً في أبعاده وتوقيته معاً.
حكمة القرار تعود إلى كونه قرار تحرير أرض لبنانية من محتل غير لبناني، وبالتالي شأناً لبنانياً صرفاً لم يتردد لبنان في اتخاذه في التوقيت المناسب. أما جرأته فتعود إلى أنه اتخذ ونفذ في نطاق إمكانات لبنان المالية المتواضعة واعتبارات إقليمية تتذرع بها عواصم غربية لحجب أسلحة نوعية عن مؤسسته العسكرية.
رغم أن «أمن» إسرائيل يتحكم في نوعية السلاح الغربي المسموح بتصديره إلى لبنان، فلا جدال في أن اطمئنان عواصم الغرب إلى استقرار لبنان الأمني، واستقلال فراره السياسي يساعدان على رفع الحظر عن تزويد مؤسسته العسكرية بأسلحة نوعية دون شروط تكبله. فإن المؤسف أن لبنان اليوم أشبه ما يكون، على صعيد قاعدته الشعبية، بفيدرالية طوائف متعايشة بحذر، وعلى صعيد السلطة، أشبه ما يكون بكونفدرالية دول خارجية يمثلها وزراء منتدبون على شؤونها المحلية.
ربما دخل لبنان اليوم مرحلة صراع مكتوم بين دولة سرايا بيروت ودولة «سرايا المقاومة»، وفيما تبدو رياح التحولات الإقليمية مواتية لسفن «دولة سرايا المقاومة»، يخوض الجيش اللبناني حربه على «داعش» في توقيت يرشحها - عمداً أم صدفة - لأن تعدل ميزان القوى السياسية في لبنان.
والملاحظ على هذا الصعيد أنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا وحركة مد وجزر القوى السياسية في لبنان تتحكم فيها التطورات الميدانية في سوريا والعراق. لذلك قد تكون حرب الجرود فرصة استثنائية لدخول عامل لبناني داخلي على هذه المعادلة.
هذا، وفي وقت كل يغني فيه على ليلاه في لبنان - ولو كانت ليلاه خارج حدود الوطن - تتخذ أنباء ترحيب اللبنانيين العارم بمؤسستهم العسكرية ودعمهم المطلق لها أهمية توازي أهمية أنباء إنجازات جيشهم في معاركه مع «داعش». والواقع أنه منذ معركة المالكية عام 1948، لم يشهد الجيش اللبناني التفافاً شعبياً حوله كما يشهد في الوقت الحاضر، ربما لأن هذا التأييد يحمل رسالتين ضمنيتين، إلى الداخل والخارج معاً، تعكس أولاهما توق اللبناني العادي إلى مظلة واقية وطنية تحمي أمنه واستقراره بقرار محض لبناني ولاعتبارات محض لبنانية، وثانيتهما التشكيك في منطق «تجميل» دور الأمن الفئوي - المذهبي إلى حد رفعه إلى مستوى الأمن الوطني.