الشرق الأوسط
TT

مصر وروسيا تغيير أم مناورة؟

نظريتان خرجتا بعد الاجتماعات المصرية - الروسية في القاهرة، التي وصفها الجانبان بالتاريخية؛ الأولى أن القاهرة بصدد تغيير استراتيجي تستعيد به أجواء الستينات، مع وريث الحليف السابق (الاتحاد السوفياتي) في فترة الحرب الباردة, والثانية أنها مجرد مناورة للقول للحليف الحالي الولايات المتحدة، التي اتخذت قرارا أغضب القاهرة بتعليق جزء كبير من المساعدات العسكرية، إننا لدينا خيارات أخرى. وكان لافتا أن الجانبين اختارا صيغة اجتماعات «2+2» (وزيري الخارجية والدفاع من الطرفين)، التي تجري بين موسكو وعدد محدود من الدول المهمة في العالم، تأكيدا على الأهمية التي يعطيها البلدان لتطوير علاقاتهما السياسية والعسكرية ووزن كل منهما إقليميا، وعلى الساحة الدولية, وترافق ذلك مع زيارة بارجتين حربيتين الموانئ المصرية, لكن اللافت أيضا أن الطرفين حرصا على توضيح أن العلاقات لا تأتي كبديل عن أحد, في إشارة إلى الولايات المتحدة. هناك زخم جديد في هذه العلاقات، لكن قراءتها بشكل صحيح تحتاج إلى النظر إلى سياقها التاريخي الذي بدأ في الخمسينات بصفقة سلاح فتحت بها القاهرة مع الاتحاد السوفياتي السابق أبواب منطقة الشرق الأوسط, وكان ذلك أيضا على وقع خلاف مع واشنطن، التي عرقلت تمويل مشروع السد العالي, وظلت موسكو الشريك الأول اقتصاديا وعسكريا، حتى ما قبل حرب 1973، حينما أخرج الرئيس الراحل أنور السادات الخبراء الروس، ثم تطورت العلاقات المصرية - الأميركية، وفترت العلاقات مع موسكو مع بدء عملية السلام المصرية - الإسرائيلية، لتصبح واشنطن هي الشريك الأول والمورد الأول للسلاح في إطار اتفاق استراتيجي. ومع نهاية الحرب الباردة ووراثة روسيا الاتحادية للاتحاد السوفياتي السابق، بدأت العلاقات المصرية - الروسية تستعيد الدفء تدريجيا، خاصة في السنوات الـ10 الأخيرة, تجاريا وسياحيا وفي قطاع الطاقة، بينما لم تتوقف علاقات السلاح منذ عام 1973 حتى الآن، وإن كان ذلك بدرجة أقل بكثير من سنوات الخمسينات والستينات. وفي عام 2009، وقع البلدان اتفاق شراكة استراتيجية خلال زيارة الرئيس الروسي السابق ميدفيديف القاهرة. وجاءت اجتماعات «2+2» في القاهرة لتعطي زخما حقيقيا وطفرة في التحول التدريجي، الذي كانت العلاقات تشهده منذ سنوات بين البلدين, لكن الأقرب للتصور هو أن القاهرة لا تناور بهذه العلاقات, وأيضا من الصعب إعادة عجلة الزمن إلى الوراء لافتراض أن شكل العلاقة الذي كان قائما في الخمسينات والستينات مرشح للعودة، لسببين بسيطين: الأول أن القاهرة وموسكو اليوم مختلفتان عن الستينات, والثاني أن الحرب الباردة انتهت, وطريقة إدارة العلاقات الأميركية - الروسية أصبحت مختلفة، في إطار تشابك المصالح بين قوتين عظميين لا يوجد الخلاف الآيديولوجي السابق بينهما, ولكن خلافات مصالح يمكن المساومة حولها. الأرجح هو أن القاهرة يوجد لديها رغبة حقيقية في توسيع خياراتها وعلاقاتها الدولية، بعد أن أصبحت أكثر حرية في اتخاذ قراراتها, وستنعكس هذه الرغبة على سياستها الخارجية مستقبلا, ولا يعني بالضرورة استبدال أحد بأحد، وهو ما عكسته تصريحات وزير الخارجية المصري, وبالنسبة إلى روسيا، فإن العلاقات واستقرار دولة محورية في المنطقة تخدم مصالحها اقتصاديا وسياسيا.