خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

قطط الحكومة

نحن نعرف مكانة الكلاب الحكومية في مهمات الحراسة واكتشاف الجرائم والمواد الممنوعة كالمخدرات. بيد أن للقطط مكانة عالية تضاهيها في دواوين الدولة. وفي بريطانيا ربما يرجع تاريخها إلى عام 1397 عندما قرر الجمهور انتخاب دك ودنتن رئيساً لبلدية لندن تكريماً لقطته التي أمعنت في مكافحة الجرذان والفئران وتخليص المدينة منها. وهكذا خلدت هذه القطة وصاحبها في التراث الإنجليزي وأساطيره. ومن ذلك التاريخ توالت الحكومات البريطانية في تعيين قطط ماوسرس mousers في دواوينها لحماية أوراق الحكومة والجمهور من أسنان الفئران والجرذان لقاء رواتب شهرية لإطعامها ورعايتها.
ومن أبلغ الدلالات أن ونستون تشرشل عندما كان وزيراً للبحرية ورأى أحد القطط يعارك كلباً ويتغلب عليه في طرده من ديوان الوزارة فقرر فوراً تعيينه قطاً رسمياً للوزارة وأطلق عليه اسم نيلسون (الأميرال نيلسون كان أشهر قائد للبحرية البريطانية) مع تخصيص راتب شهري له رغم كونه من القطط العادية. وبعد تسلم تشرشل رئاسة الحكومة جلبه معه لداونينغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء). وبعد موت هذا القط، عين تشرشل قطاً آخر باسم جوك الرابع. نقله معه بعد تقاعده إلى قصره الريفي في شلرتول. وأوصى برعايته في وصيته بحيث أصبح من تقاليد ذلك القصر التي استمرت حتى اليوم وجود قط بنفس اللون البني المبقع وبنفس الاسم. يتمسح به الزوار والسياح ويتباركون به.
ولما كانت دوائر البريد تعاني من هجمات الجرذان على بريدها، فقد قررت مديرية البريد الملكية البريطانية عام 1868 تعيين قط ماوسر رئيسي في ديوانها مع مجموعة كبيرة من القطط في كل مكاتب البريد حرصاً على مراسلات الجمهور ووثائقهم. والمعروف أن القطط لا تنتمي إلى أي نقابة عمالية كما يفعل البوسطجية. ولهذا أصبحت تخصيصات المعيشة للقطط موضع مراسلات طويلة بين دوائر البريد والخزينة العامة. فالتربص للجرذان ومطاردتها وقتلها تقتضي من القطط أن تكون في أقوى وأشد الأحوال الصحية لتمارس عملها. وكذا الأمر بالنسبة للمؤسسات العسكرية. فقلما خلت مقراتها من قط ماوسر. ونالت بعض القطط ميداليات عسكرية لدورها الباهر في دعم القوات العسكرية كالقط سايمون الذي منح عدة ميداليات من الأسطول البريطاني وجاء ذكره والثناء عليه في المراسلات البحرية.
وحرص سائر رؤساء الوزراء على تعيين قط أو قطة في 10 داونينغ ستريت. ولهذه القطط خدماتها المهمة، أولاً في حماية أوراق رئيس الوزراء من قرض الفئران والجرذان وثانياً لما عرف عن الدور الصحي للقطط في خفض ضغط الدم وتوتر الأعصاب، مما يعاني منه سائر كبار المسؤولين.
هناك الآن في داونينغ ستريت القط لاري، الذي أشرت إليه في مقالة سابقة. وكان المستر كاميرون قد جاء به عند توليه رئاسة الحكومة. وبعد استقالته وتسلم السيدة تيريزا ماي رئاسة الوزراء، وخروج كاميرون من المبنى، حاول هذا أن يأخذ القط لاري معه، الأمر الذي تحول إلى نزاع شخصي بين الاثنين. ولكن السيدة ماي ربحت في النزاع فمن أخلاق القطط التشبث بالمكان لا بالإنسان.