جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

اللبيب من «الكيل» يفهم

تبولة بالـ«كيل»، سلطة بالـ«كينوا» وتورتة ببذور «شيا»، وحمص بالـ«أفوكادو»...
هل فهمتم؟ إذا كنتم من أنصار الموضة العصرية في الطعام ستفهمون العبارة من أول كلمة، فـ«اللبيب من الكيل يفهم»، أو على الأقل سيفهم محبو الطعام المواكب للصرعات ما أعنيه.
القصة وما فيها هو أن الطعام الصحي شيء رائع وجميل، والتجديد في المطابخ حاجة ملحة وأنا من بين المشجعين لتطوير الأطباق، لا سيما في المطبخ الشرقي عمومًا واللبناني تحديدًا، ولكن أن تصل المسألة بالبعض إلى خلط الحابل بالنابل ووضع أوراق اللفت أو الكرنب أو ما يعرف بالاسم العصري الذي ابتدعه مشاهير العالم الغربي Kale إلى درجة خلط تلك الأوراق الشوكية في التبولة وجعلها المكون الرئيسي في السلطة، الأمر برأيي غريب وعجيب!
في الحقيقة، ليست هناك مشكلة إذا تلذذ الشخص بالمذاق، فالمثل الشعبي يقول: «كل على ذوقك والبس على ذوق الناس»، وبالطبع كل شخص يتمتع بذائقة خاصة به ويختار لمعدته وذائقته ما يروق له، ولكن أن يصبح تناول الطعام فقط لأنه «على الموضة» ولو أنه لا يتوافق مع ذائقتنا، فهذا الأمر يقلقني جدًا، وكل هذا تحت مظلة الصحة والأكل الصحي.
يا جماعة الخير، أين المشكلة في البقدونس وفوائده الصحية؟ وهل السلطة الصحية في قاموس الموضة أصبحت تعتمد على حبوب «الكينوا» وبذور الشيا؟ أجدادنا كانوا يعيشون حتى سن تفوق المائة عام ولم يكن يعرفون «الكيل» ولا حتى الحمص الذي يركب حاليًا موجة الموضة، فأصبح لونه أخضر بعدما صبغ لونه تمامًا مثلما تصبغ المرأة شعرها وتخفي الشيب (إذا كان الشيب عيبًا).
مرة من المرات، رأيت سيدة تتناول طبقًا من «الكيل» مع جبن البارمزان وصلصة بيضاء، وبالفعل حزنت على المشهد لأنها بالفعل بدت متألمة، كيف لا؟ ومن الواضح أنها تكره مذاق هذا النوع من الخضراوات خصوصا أنه ليس سلسًا وفيه نوع من الشوك، فكادت تعلق الأوراق في حلقها، وكاد المشهد يتحول إلى مأساة حقيقية وتنتهي المرأة في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات.
يوجد هوس في عالمنا العربي في الآونة الأخيرة تحديدًا بتناول ما يعرف بالمأكولات الخارقة Super Food، فقط لأن هناك مجموعة من «معاتيه الشهرة» الذين يتغذون على أوراق الخس ويرفهون عن أنفسهم من خلال الاستماع لقرع الأقراص النحاسية التي قرروا أنها مهدئة للأعصاب، في حين أنها برأيي المتواضع كفيلة لإدخالك أقرب مصح عقلي.
فيكفي أن ترى الممثلة الأميركية غوينيث بالترو تستلقي على الأرض وتريح أعصابها من خلال الاستماع إلى ذلك الإزعاج الصوتي حتى يتهافت بعض «خراف الموضة» على تقليدها ظنًا منهم أن هذا هو العلاج الأفضل.
ونعود إلى موضوع الطعام، فعن طريق الصدفة المحضة، اكتشفت أن موقع «أمازون» يبيع «تي شيرت» كتب عليه «أفوكادو، حمص وكينوا»، نعم، والتهافت على هذا التصميم أكثر من كبير، فهل يعقل أن نتبع الموضة العمياء حتى في أكلنا؟ رضينا ببعض ضحايا الموضة الذين يطبقون جنون عروض الأزياء ويؤذون عيوننا بثياب غير لائقة على الطرقات، ولكن أن يصل الوضع إلى تبني طعام لا يمت لنا بصلة لا من قريب أو بعيد فقط لإثبات أننا مواكبون للموضة وصرخاتها وأحيانًا جنونها؟
جميل بل مهم أن نجرب مذاقات ومكونات جديدة على ثقافاتنا، ولا مانع من تبنيها في مطابخنا إذا أعجبنا بها، ولكن لا يجوز أن نظلم أنفسنا ونعذب معدتنا تحت شعار «حمص على الموضة».