باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

ترامب عنوان للتغيير.. ولكن أي تغيير؟

سوف يتوقف المؤرخون طويلاً عند هذه الحقبة الممتدة من أواخر تسعينات القرن العشرين إلى السنوات العشرين الأولى من القرن الحالي، نظرًا لما شهدته من أحداث وتحولات سياسية واقتصادية وتكنولوجية هزت وغيرت طبيعة العلاقات بين الدول والشعوب وبين السلطات الحاكمة ومواطنيها. فسقوط جدار برلين وعلى أثره تفكُك الاتحاد السوفياتي وتقلُص الشيوعية في العالم، أنهى رسميًا الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بل «أنهى التاريخ» على حد قول فوكوياما، وفتح صفحة جديدة من المجابهات ألا وهي «صدام الحضارات» في مقولة هنتنغتون.
غير أنه إلى جانب هذه الآفاق المصيرية الجديدة كانت ترتسم آفاق أخرى تنذر البشرية بكوارث عالمية مقبلة كالتلوث البيئي ونقصان الماء وتزايد عدد السكان فيما يسمى بدول العالم الثالث مما يؤدي إلى اللااستقرار السياسي والبطالة. وعلى الرغم من تخلي معظم الدول عن الاقتصاد الاشتراكي وتبنيها الاقتصاد الحر الرأسمالي، فإن العالم شهد خلال هذه الحقبة أزمة مالية خطيرة هددت الدول الأوروبية خاصة، وارتفع شعار «العولمة» وتسابقت الدول على الانتماء إلى منظمة التجارة العالمية، وباتت الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها تلعب دورًا دوليًا بارزًا، على الرغم من فيتووات الدول الكبرى في مجلس الأمن. وخلال هذه الحقبة شهد العالم صعود بعض الدول إلى الصفوف الأولى - كالصين والهند والبرازيل. ولعل من أهم ظواهر هذه الحقبة دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من قنوات فضائية وهواتف محمولة وإنترنت التي نزعت من البعض القدرة على التحكم بعقول المواطنين ونفوسهم، بل وأعطت الشعوب وسيلة جد فعالة للتعبير عن رأيها.
وكان من أخطر ما شهدته هذه الحقبة عودة الحرب الباردة بين موسكو والغرب على أثر توسع حلف الأطلسي شرقًا حتى حدود روسيا، وما سمي بالربيع العربي الذي فجر صراعات عرقية وطائفية ووطنية في خمس دول عربية تحولت في بعضها إلى حروب أهلية - إقليمية - دولية متمادية دمرت مدنًا بكاملها وشردت ملايين البشر. ولا ننسى ظاهرة الإرهاب الدولي الجديد المتمثل بالجماعات الدينية - السياسية المتطرفة، وأبرزها وأخطرها «داعش».
في هذا المشهد التاريخي القاتم والمشحون بالمتفجرات جاء انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة «ضغثا على إبّالة» - كما يقول المثل. فما قاله أثناء حملته الانتخابية - وإن تراجع عن بعضه - لا يبشر العالم بدور أميركي إيجابي جديد يساعد على حل النزاعات والمشكلات العالقة، بل يزيدها عددًا ونوعًا، اللهم سوى إعجابه بالرئيس الروسي بوتين واستعداده للتعاون معه. صحيح أن انتخابه كان نتيجة ردة فعل أو غضب شعبي، وصحيح أيضًا أن القرارات السياسية المهمة في الولايات المتحدة لا يتخذها رئيس الدولة على طريقة صدام حسين أو غيره الديكتاتوريين في العالم العربي بل تجوجلها وتغربلها وتقيّمها عشرات بل مئات الأجهزة والمعاهد والخبراء قبل أن تصل إلى البيت الأبيض، وأن هناك مجلسين للشيوخ والنواب ومحكمة عليا ووسائل إعلام حرة ومؤثرة.. وكل ذلك من شأنه ضبط قرارات الرئيس وتصويبها وتسديد خطاه.
غير أن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن وراء انتخاب الرئيس الأميركي الجديد رفضًا شعبيًا للسياسة الخارجية التي اتبعها الرئيس أوباما، ولا سيما فيما يتعلق بالإرهاب الذي بدأ يضرب الدول الغربية، بالإضافة إلى امتداداته في الشرق الأوسط، سيما أن هناك احتمالاً جديًا بأن تنتقل موجة الغضب والخوف إلى أكثر من دولة أوروبية فيؤدي ذلك إلى وصول الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة إلى الحكم، مما يمهد، عندئذ، لوقوع صدام الحضارات بين الغرب المسيحي - العلماني والشرق المسلم.
هل هو الغضب، أم القلق أم الرغبة في التغيير هو ما رجح كفة الانتخابات الأميركية لصالح مرشح من خارج الطاقم السياسي التقليدي؟ وهل ستنتقل العدوى إلى فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى؟ وهل سيؤدي انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز لحمة أعضائه الباقين أم سوف تتبعه انسحابات أخرى؟ وهل يتحول الإعجاب المتبادل بين الرئيسين ترامب وبوتين إلى تعاون يلجم الحرب الباردة الجديدة، ويساعد على وقف هذه الحروب الدولية الإقليمية الوطنية التي تمزق سوريا والعراق واليمن؟ هل سيتمكن الرئيس الأميركي أو ينجح فيما عجز سلفه الرئيس باراك أوباما عنه؟ من يدري؟ رب ضارة نافعة.