علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

المشاريع الخاسرة

استمع إلى المقالة

الأفراد يدخلون مشاريع تجارية بغرض الربحية، وهذه المشاريع قد تُحقق الهدف وتُحقق الربح؛ لذلك تستمر، وبعضها يقف عند نقطة التعادل أو قريباً منها، بربح بسيط أو خسارة مماثلة، وبعض هذه المشاريع يكون خاسراً، فقلة من الأفراد يستمرون في الصرف على المشروع حتى إن كان خاسراً، وذلك لأنهم أصحاب الفكرة، ويرغبون في إنجاحها، ما يرهقهم مالياً، وبعد الصرف سنوات طويلة يغلقون المشروع بخسائر هائلة، أما العقلاء من الأفراد فإنهم بعد الصرف على المشروع لمدة ثلاث سنوات، وثبات فشله، يقومون بوقف الصرف عليه، وبذلك يضعون حدّاً للخسائر، ويبحثون عن مشاريع أخرى أكثر جدوى.

الدول كالأفراد، لديها مشاريعها، فهناك دول تدرس جدوى مشاريعها بعناية، وتُركز عليها لتربح في النهاية شعبها ومشاريعها، وهناك دول تستمر في الصرف على مشاريع فاشلة، فتخسر شعبها ومقدراتها.

ولنأخذ إيران مثلاً، فمنذ قيام الثورة ضد الشاه، ومشروع إيران تصدير الثورة، قامت بالصرف على هذا المشروع وخسرت أموالاً ورجالاً، واستطاعت أن تسيطر على أربع عواصم عربية عبر وكلائها من الشيعة، وقد استطاعت إيران أن تستخدم الشيعة العرب كمخلب قط يخدم مصالحها، ويؤذي وطنه، فالشيعة العرب للأسف خدموا مصالح إيران، وأضاعوا مصالحهم ومصالح أوطانهم، وحاولت إيران استخدامهم لخدمة مصالحها بشتى الطرق، وحينما ضُيِّق عليها الخناق باعتهم في أول مزاد.

ما سبب خسارة إيران لمشاريعها؟ هل هو استخدام التقية للوصول لمشاريعها؟ أو تجاوز الخطوط الحمراء لمصالح الدول الكبرى أولاً، ومصالح دول الإقليم ثانياً؟ أو هما معاً؟

في رأيي الشخصي أن إيران استخدمت التقية التي يُجيزها المذهب الشيعي، وتعني التقية لمن لا يعرفها إبطان عكس ما تُظهر، وهذا بالنتيجة يقود لتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة الدولية، فحينما شعر الإيرانيون بسيطرتهم على أربع عواصم عربية، خرج بعض المعممين مفتخرين ومهددين بالسيطرة على عواصم عربية أخرى، ويبدو أن إيران أحسّت بقوتها، فأظهرت ما كانت تبطن، وتجاوزت الخطوط الحمراء، فتكالبت عليها القوى العظمى لتقضي على مشروعها؛ بدءاً بلبنان وانتهاءً بسوريا، بعد أن استنزفت إيران خلال 46 عاماً، صرفت خلالها مليارات من الدولارات على وكلائها، لتعرف في النهاية أن التقية لا تنفع في السياسة، لأن السياسة تُبنى على احترام التعهدات، ليخرج من المسؤولين الإيرانيين مَن يعترف بفشل مشروع تصدير الثورة، وينادي بضرورة مراجعة المشروع.

تصور معي أيها القارئ الكريم أن إيران، ومنذ ما يقترب من نصف قرن، تفرّغت لبناء بلدها ورفاهية شعبها بدلاً من هذا العبث السياسي الذي كلَّفها مليارات الدولارات، إضافة إلى تذمر الشعوب الإيرانية التي ترى أنها أولى بهذه الدولارات، لكانت قد كسبت بناء وطنها ورضا شعوبها. ودمتم.