د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

متابعة انخفاض الإصابات بالأمراض

عند النظر إلى واقع مدى انتشار الأمراض أو انحسارها في العالم، قد لا يرى البعض إلا الجوانب السلبية التي تبعث على التشاؤم، بينما الواقع ليس كذلك. وأسباب السلبية هذه معقدة وأساسها عدم تذكر أن عيش الإنسان بالأصل هو «في كبَد»، الذي منه المعاناة من الإصابات بالأمراض والمعاناة في مكافحتها.
وفي الشأن الطبي لمكافحة الأمراض التي تصيب الناس واتقاء ظهورها لدى الأصحاء أو استفحال انتشارها، لا مجال للتشاؤم الذي يبعث على الاستسلام للمرض ولا مجال للتفاؤل الذي يُخدّر عن مكافحة الأمراض، بل هو العمل المتواصل لوقاية الأصحاء من الإصابة بها والعمل المتواصل على مكافحة الأمراض لدى منْ أصيبوا بها، وهو أيضًا استمرار مراقبة الأمراض ومدى انتشارها. وهناك كثير من المؤشرات التي تفيد بأن بذل الجهود الطبية في مكافحة الأمراض واتقاء الإصابات بها يُؤتي ثماره.
وخلال الأيام القليلة الماضية صدرت ثلاث دراسات طبية إحصائية تتحدث في نتائجها عن انخفاضات في الإصابات بثلاثة أنواع مختلفة من الأمراض، وهو ما يبعث على التفكير في أسباب حصول هذه الانخفاضات في تلك المجتمعات من أجل الاستمرار في بذل نوعية الجهود الصحيحة في مجتمعات أخرى للحصول على نتائج مفيدة.
وضمن عدد 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة «جاما للطب الباطني» (JAMA Internal Medicine)، نشر الباحثون من جامعة ميشيغان في آنا أربر بالولايات المتحدة نتائج دراستهم حول معدلات الإصابات بحالات «الخَرَف» (Dementia) بين كبار السن. وتابع الباحثون في دراستهم أكثر من 10 آلاف شخص منْ أعمار فوق سن 65 سنة، ووجدوا انخفاضًا بمقدار 24 في المائة، في معدلات الإصابة بالخرف عام 2012 مقارنة بعام 2000. وأفاد الباحثون بأن أسباب ذلك ليست معلومة لديهم في الوقت الحالي، نظرًا لأن الدراسة اهتمت بمعرفة مدى الانتشار الحالي للإصابات بالخرف مقارنة بالسابق، وفي مراحل تالية سيتم إجراء تحليل أدق لمعرفة الأسباب. ولكنهم مبدئيًا لاحظوا أن ثمة عاملين؛ الأول هو ارتفاع المستوى التعليمي والثاني هو انضباط أعلى في التحكم بمستويات ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري.
وعلق البروفسور كينيث لانغا، الباحث الرئيس في الدراسة وأستاذ الطب الباطني في جامعة ميشيغان، بالقول: «الانخفاض الذي لاحظناه في دراستنا لمعدلات الإصابة بالخرف، وما لاحظته أيضًا دراسات أخرى في مناطق أخرى من العالم، لا يعني أن مشكلة ألزهايمر والخرف تم حلّها، ولكن هذه النتائج تعطي شيئًا من الأمل الذي يبعث على التفاؤل بأن بإمكاننا أن نفعل أمورًا عدة ناجحة لخفض الإصابات بالخرف، وهو ما يجعلنا نُبعد التوقعات المستقبلية السابقة باحتمالات الانتشار الوخيم لحالات الخرف».
ومعلوم أن الخرف هو خلل وظيفي في عمل الدماغ يُؤثر بشكل بالغ على الذاكرة والسلوكيات الشخصية اليومية، ويُعتبر من الأمراض الأعلى كُلفة مادية لرعاية المصابين به، إضافة إلى تأثيراته السلبية المتعددة على المريض وأفراد أسرته.
وأفاد الباحثون كذلك بأن رفع مستوى التعليم لدى المرء يُقلل من خطر الإصابة بالخرف، وهو ما قد يكون سببه بناء قدرات ذهنية أفضل لدى المرء بما يجعله أكثر قدرة على حفظ قدراته الذهنية مع التقدم في العمر، إضافة إلى أن اهتمامه بالتحكم الصارم في اضطرابات السكري والضغط تقي من تداعياتهما على الشرايين الدماغية، وبالتالي خفض احتمالات الإصابة بالجلطات الدماغية. ولذا علق كذلك الدكتور كيث فارغو، مدير البرامج العلمية والأبحاث في الرابطة الأميركية لألزهايمر، بالقول: «إذا تمت السيطرة على عوامل خطورة الإصابات بنوع خرف الأوعية الدموية Vascular Dementia فإننا نتوقع انخفاض الإصابات بتلك النوعية من الخرف، كما أننا نتوقع انخفاض الإصابات بألزهايمر».
والدراسة الثانية عرضها موقع المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة للباحثين من مركز التقييمات الصحية وتم نشرها في 21 نوفمبر لمجلة «تقارير المستهلكين» Consumer Reports، وذلك حول مدى انتشار حصول الإصابات بالالتهابات الميكروبية القاتلة في «قسطرة الخط المركزي» Central - Line Catheter.. ومعلوم أن قسطرة الخط المركزي هي أنبوب يتم إدخاله في أحد الأوردة الكبيرة، وعادة في أوردة الرقبة، بغية استخدامه لإدخال الأدوية والسوائل والتغذية للمرضى بدل إدخالها عبر الأوردة الصغيرة على اليدين. وغالبًا يُلجأ إلى هذا في حالات المرضى بأقسام العناية المركزة، ومن أكبر مشكلات قسطرة الخط المركزي هو إصابتها بالعدوى الميكروبية Central - Line Infections نتيجة عدم مراعاة الطرق الصحيحة للتعقيم عند تركيبها أو عدم مراعاة تلك الاحتياطات حال استخدامها لإدخال الأدوية أو السوائل بشكل متكرر طوال اليوم.
ولاحظ الباحثون في دراستهم الحديثة انخفاض معدلات التهابات الدم بالميكروبات الآتية من تلك القساطر بمقدار النصف فيما بين عامي 2008 و2014 نتيجة الالتزام الصارم بأخذ الاحتياطات الطبية التعقيمية، وذلك بمتابعة معدلات تلك الإصابات الميكروبية لدى مرضى نحو 2000 مستشفى بالولايات المتحدة، منها 233 مستشفى جامعيًا تعليميًا.
والدراسة الثالثة، والتي ربما الأهم، من مؤسسة «ديوك» للأبحاث الإكلينيكية حول معدلات الإصابة بأمراض القلب في الولايات المتحدة، وتم نشر الدراسة ضمن عدد 15 نوفمبر لمجلة «جاما» الطبية Journal of the American Medical Association. وأفاد الباحثون في نتائج دراستهم أن ثمة انخفاضا بمقدار 20 في المائة لمعدلات الإصابة بأمراض القلب بالولايات المتحدة خلال العقود الأربعة الماضية، وعزا الباحثون ذلك الانخفاض لتحسن وسائل الكشف المبكر والتشخيص لأمراض القلب وللعمل المثمر في خفض تأثيرات عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب Cardiac Risk Factors. وعلق الدكتور مايكل بينسيا، الباحث الرئيس في الدراسة، بالقول: «هذا يعني أن كل الجهود تُؤتي ثمارها، وكان حجم مشكلة أمراض القلب بحجم بيتزا كبيرة واليوم هي بحجم بيتزا متوسطة، ولكن لا تزال هناك عوامل خطورة تسهم بقوة في انتشار أمراض القلب مثل الكولسترول السيئ، والتدخين وارتفاع ضغط الدم ولا يزال الكثير مما يُمكن فعله لخفض الإصابات بأمراض القلب».