الشرق الأوسط
TT

«إخوان» بريطانيا

خرجت قراءات كثيرة في مغزى الخطوة التي أعلنتها الحكومة البريطانية قبل أيام بشأن مراجعة وضع جماعة الإخوان المسلمين والتحقيق في أنشطتها وطبيعة وجودها في المملكة المتحدة، وفقا لما صرح به رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وكان لافتا أن أنصار هذه الجماعة سعوا إلى ربط هذا القرار بما قالوا عنه إنه ضغوط من دول عربية هناك مصالح مشتركة كبيرة بينها وبين بريطانيا، وهو ربط مستبعد إذا أخذ بعين الاعتبار التاريخ البريطاني القريب والبعيد، والتجارب في استضافة جماعات سياسية أو لاجئين من دول أخرى، حيث كان العامل الأهم في قرار البقاء أو تعذر البقاء هو تجنب تهديد الأمن الداخلي، وألا تكون هناك أنشطة إرهابية مرتبطة بهذه الجماعات أو الشخصيات، وهناك تجارب سابقة لشخصيات منحت حق الإقامة وانتهت في السجون أو رحلت، بعد ما مارست أنشطة إرهابية طالت حتى المجتمع البريطاني نفسه. وما زالت قصص أبو حمزة وأبو قتادة ماثلة في الأذهان.
لذلك، فالأرجح أن يكون العامل الداخلي هو السبب الرئيس في التحقيق في طبيعة الوجود الإخواني، فلا أحد يستطيع سياسيا أن يتحمل تكرار تجربة مروجي الفكر المتطرف والمحرضين على الكراهية الذين تسببوا في تفجيرات وأعمال إرهابية في الداخل والخارج في سنوات سابقة، خصوصا أن حدوث ذلك أدى إلى تقوية تيارات يمينية متشددة تزايد بهذه القضايا في السياسة المحلية، وتحرج الأحزاب الرئيسة في الحكم والمعارضة ليس في بريطانيا وحدها، ولكن في كل أوروبا، ونتائج الانتخابات المحلية الفرنسية الأخيرة مؤشر على ذلك.
لا بد أن يكون هناك ما أقلق السلطات البريطانية من النزوح الإخواني الذي حدث في الشهور الأخيرة إلى لندن التي شهدت نشاطا متزايدا سياسيا وإعلاميا يستهدف بلدانا عربية من قبل الجماعة، مع تقارير عن اعتزام التنظيم الدولي تحويل العاصمة البريطانية إلى مركز عمليات لهم في معركتهم لاستعادة المواقع التي خسروها في بلدان عربية، ومحاولة زعزعة الاستقرار في دول عربية أخرى، وهو ما أدى إلى تصنيفهم منظمة إرهابية في أكثر من دولة.
ولا بد أن يكون هناك من توقف في الغرب أمام ظاهرة أن كل البلدان العربية التي شهدت تغييرات سياسية جاءت بالإخوان أو التيارات المماثلة لهم إلى صدارة المشهد السياسي، تصاعد فيها العنف بشكل لم تشهده من قبل في تاريخها الحديث. صحيح أن الجماعة تنفي ذلك، لكن الكلام شيء، والواقع شيء آخر، مثل الهجوم على حافلة السياح في سيناء، والذي ربط البعض بينه وبين موجة العنف التي تشنها جماعة الإخوان، كما أن هذا التمركز لتكفيريين مسلحين يشنون هجمات في سيناء، لم يحدث إلا في سنة حكم الإخوان في مصر. أيضا، فإن كل المتابعين لشؤون الحركات الإسلامية، وبالطبع أجهزة الاستخبارات والأمن، تعرف أن تنظيمات جهادية متطرفة، مثل الجماعة الإسلامية والجهاد، خرجت من عباءة الإخوان وفكرهم.
لا أحد يستطيع أن يستبق نتائج التحقيق البريطاني في أنشطة الإخوان والخطوة اللاحقة، لكن الإعلان عن التحقيق، وبهذا المستوى العالي، يحمل في مضامينه دلالات مهمة، بأنه لم يعد هناك أي أحد يمكن أن يتسامح مع أنشطة تحمل شبهات إرهابية، وأنه لا يوجد مكان في عالم اليوم لأفكار الكراهية والتحريض، كما أن القرار يحمل أيضا رسالة واضحة بأن أي أنشطة ستكون تحت تمحيص ورقابة.