د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

هل نعلم ما يكلفنا الأرق؟

ينبع الاهتمام بمعالجة الأمراض من مصادر شتى، ذلك أن ثمة أمراضًا غير معقدة نسبيًا وغير مهددة لسلامة الحياة، لكنها تكتسب أهمية عالية بالنظر إلى اتساع نطاق انتشارها. وبالمقابل، هناك أمراض قليلة الانتشار نسبيًا، لكنها معقدة وتهدد سلامة الحياة. ولذا فإن كلا من نوعي هذه الأمراض مهم.
وإضافة إلى مدى الانتشار ومدى تهديد سلامة الحياة، هناك الكُلفة المادية المترتبة على الإصابات بنوع من أنواع الأمراض، وتحديد تكاليف المرض يتبع نظامًا لا يشتمل في الحساب على قيمة العلاج الدوائي والعمليات الجراحية وتوفير طاقم الأطباء والتمريض وغيرها من عناصر الكُلفة المادية لـ«الرعاية الطبية المباشرة» المُقدمة إلى المريض، بل أيضًا ثمة ما يُعرف بـ«الكُلفة المادية غير المباشرة» للأمراض، الذي يشتمل على تكاليف مدى تسبب المرض في الإعاقة البدنية والنفسية التي تنجم عن إصابة المرضى بذلك المرض، ومدى تأثيرات ذلك من النواحي المادية على إنتاجية الموظف، وعلى التزامات القيام بواجبات العلاقات الأسرية وغيرها من العناصر التي بمجملها يتم بدقة تحديد الكُلفة المادية لمرض ما.
والأرق Insomnia في التعريف الطبي بلغة بسيطة يشمل الشكوى من عدم الحصول على نوم مريح خلال الليل أو استعصاء النوم أو تقطعه أو انخفاض جودة نوعيته، بما يُؤثر سلبيًا على حياة وإنتاجية المرء في ليله ونهاره. والواقع أن كلنا يُقدّر نعمة الحصول على نوم مريح بعين قريرة في الليل، وغالبنا يكون قد عانى من ليالٍ صعب عليه فيها النوم، ولكن ربما لا يتصور البعض أن التكلفة المادية لعلاج حالات الأرق هي فاتورة باهظة الثمن.
وضمن عدد 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 لمجلة «مراجعات طب النوم» Sleep Medicine Reviews، نشر الباحثون من كلية الطب بجامعة ماريلاند في بالتيمور دراستهم، حول هذا الأمر بعنوان: «الاقتصاد الصحي في علاج الأرق: عودة إلى الاستثمار في نوم ليلي جيد». وقال الباحثون في ملخص دراستهم: «الأرق المزمن هو اضطراب النوم الأكثر شيوعًا بين البالغين، ويترافق مع مجموعة واسعة من النتائج، والدراسة تستوعب العواقب الاقتصادية للأرق وتكاليف معالجته، وتبين أنها تتجاوز مائة مليار دولار سنويًا، وغالبيتها تُنفق على التكاليف غير المباشرة، مثل تدني الأداء في مكان العمل وزيادة الطلب في الاستفادة من الرعاية الصحية وزيادة خطر وقوع الحوادث.
وإضافة إلى هذا يُؤثر الأرق على نوعية الحياة وكذلك هناك تأثيرات معالجته. وتمت مراجعة عشر دراسات منشورة تقيم فاعلية تكلفة العلاج، بنوعيه الدوائي والسلوكي، لمشكلة الأرق. وغالبية الدراسات وجدت أن تكلفة علاج (الأرق الأولي) Primary Insomnia، و(الأرق المرضي) Comorbid Insomnia أقل من تكلفة تبعات وتداعيات الأرق».
وعلق الدكتور إيمرسون ويكواير، الباحث الرئيس في الدراسة ومدير برنامج النوم بكلية طب جامعة ماريلاند، بالقول: «على الرغم من توافر معالجات فعّالة للأرق، فإن الناس لا يطلبون عناية طبية فعّالة له، لأن من غير المريح لهم الاعتراف بأن لديهم مشكلة في النوم، أو أنهم لا يُدركون أن المعالجة الفعّالة متاحة، وبطبيعة الحال هناك نقص في وعي مقدمي الرعاية الطبية أيضًا، وهو نموذج آخر لمحدودية فرص الحصول على الرعاية Access to Care، وشركات التأمين لا ترصد ما يكفي لتمويل علاج الأرق، وجزء من سبب ذلك السلوك أنها لم تكن متأكدة من ماهية مردود تلك المعالجات».
وعليه فإن نظرتنا إلى الأمراض لا يجدر أن تكون مرتكزة فقط على مدى تسببها بالألم أو تهديد سلامة الحياة أو اضطرابات الحالة الصحية، بل هي من الأجدر أن تكون شاملة لكامل الصورة المرضية، مثل مشكلة صحية تطال المريض ونوعية حياته وحياة منْ يعيشون معه ويتولون رعايته.
هذا من جانب، ومن جانب آخر ثمة توجه واضح في الدراسات والبحوث الطبية نحو تقييم فاعلية التكلفة العلاجية، وهو ناتج عن توسع النظرة إلى الأمراض ومضاعفاتها وتداعياتها على كل الأصعدة، الصحية والبدنية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية. وثمة كثير من الأمراض التي تكون تكاليف معالجتها المباشرة أقل بكثير من تكاليف معالجاتها غير المباشرة، ولكن بالنتيجة، فإن حساب صافي تكاليف المعالجة يشتمل على هذين الجانبين. كما أن ثمة كثيرا من الأمراض التي تكون تكاليف معالجتها أقل بكثير من تكاليف تركها دون معالجة على الرغم من عدم عمق تأثيراتها على صحة الجسم بالذات.
والملاحظ أن تكاليف الأمراض آخذة في الارتفاع. وكانت الرابطة الأميركية لمرض السكري قد أفادت في إحصائيات عام 2013 أن فاتورة علاج مرضى السكري بالولايات المتحدة ارتفعت من 174 مليار دولار إلى 245 مليار دولار خلال الفترة ما بين عام 2007 و2012. وتم حساب الكُلفة بما يشمل تقديم الرعاية الطبية المباشرة للمرضى في المستشفيات وأقسام الإسعاف والفحوصات الطبية وزيارات العيادة، وأيضًا التكاليف غير المباشرة التي تشتمل على: التغيب عن العمل نتيجة الانتكاسات الصحية في ضبط مرض السكري، وانخفاض مستوى إنتاجية الفرد العامل، جراء الإصابة بمرض السكري، واضطرابات معالجته ومضاعفاته وتداعياته، والبطالة الناجمة عن الإصابة بالإعاقات الناتجة عن تداعيات مرض السكري كبتر الأطراف أو العمى وتدني قدرة الإبصار، وفقدان الإنتاجية بسبب الوفاة المبكرة بين بعض مرضى السكري. وكذلك ما أفادت به رابطة القلب الأميركية عام 2013 ضمن مشروع تحديد الكلفة المادية للرعاية الطبية المستقبلية لمرضى القلب في الولايات المتحدة، والذي تضمّن أن التكلفة المادية السنوية لأمراض القلب بلغت عام 1999 نحو 286 مليار دولار، ووصلت نحو 360 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 818 مليار دولار عام 2030.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]