الشرق الأوسط
TT

الانفتاح السعودي على الشرق

العالم من حولنا يتغيّر. هذه حقيقة لا تحتاج إلى دليل. ومن معالم هذا التغيّر ما يستجد في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والبيئة والسياسة وما إليها.
وعندما صحا العالم عام 1991 على واقع جديد، بعد عقود مما عرف بـ«الحرب الباردة»، سارع البعض إلى اعتباره مقدمة لنظام عالمي جديد انتهت فيه «الثنائية الاستقطابية» بين الولايات المتحدة قائدة المعسكر الغربي، والاتحاد السوفياتي السابق قائد المعسكر الشرقي. يومذاك انتصر الغرب على الشرق، أو هكذا بدا لبعض الوقت. إذ سقطت التجربة الشيوعية كما ترجمتها على الأرض الكتلة السوفياتية، وأسقط «جدار برلين» الذي كان أولا رمزا لتقسيم أوروبا والعالم، وثانيا لوصول تجربة اقتصادية جامدة إلى نهاية طريقها.
غير أن اختزال التطوّر الإنساني بنهجين لا ثالث لهما، كان دائما مجازفة تفتقر إلى الواقعية. ومثلما كانت طروحات الليبرالية والديمقراطية الاشتراكية منافسا دائما للرأسمالية الجامحة تحت خيمة المعسكر الغربي، شهد المعسكر الشرقي تحدّي النموذج الصيني - الآسيوي للقالب الروسي - الأوروبي، الذي طغى على التجربة السوفياتية. وساهمت الهند في انتهاج طريق ثالث غير منحاز.
لقد شكلت التجربة الصينية، بالذات، تحت شتى المسميات منذ 1949 حتى اليوم مرورا باختبار «الثورة الثقافية» الصعب، نموذجا اقتصاديا ذا طابع خاص، أتاح للصين أن تغدو اليوم العملاق الاقتصادي والسياسي والثقافي الذي نرى ونتابع. واليوم عندما تنمو علاقات الصين بالعالم العربي، وبالذات بالمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج، فإن هذا أمر طبيعي بل ضروري، من منطلقات واقعية وعملية. التجربة الصينية زاوجت حتى في ظل آليات النظام السياسي الاشتراكي بين معطيات البيئة الزراعية ومزايا التراث الصيني التجاري والحرفي والثقافي العريق، من دون أن تضطر للتفريط في أي منها. وفي المقابل، خطت السعودية بتفكير واقعي وعملي في مختلف القطاعات والمجالات من دون أن تفرط في مبادئها والأسس التي قامت عليها.
إن الانفتاح السعودي الحاصل على دول آسيا الكبرى، يؤكد ليس فقط درجة عالية من النضج السياسي، الذي يرصد بحكمة المتغيرات العالمية، بل يوضح المرونة في بناء علاقات القواسم المشتركة مع القوى العالمية، من دون استثناءات أو توجه نحو صراع المحاور.
الانفتاح، الذي تسارع إيقاعه مع جولة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز على الشرق، بطبيعة الحال، لا يعني بالضرورة الابتعاد عن الغرب، وكذلك الصلات الطيبة القديمة والراسخة مع الغرب، لا تستثني ولا تناقض التعامل بإيجابية مع الشرق. ولكنه يقوم على المبادئ العامة، التي تحكم في عصرنا منطق العلاقات الدولية وفي مقدمها: المصلحة الوطنية، والاستثمار بالثقة والصداقات، والتفاعل الإيجابي، حتى في ظل احتفاظ الأطراف المعنية بحق الاختلاف في الرأي، إزاء القضايا الكثيرة التي تبرز على المسرح الدولي.