مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو أنجح منظومة عمل عربي، أنجح من الجامعة العربية نفسها.
نجاح منظومة العمل الخليجي نابع أولا من استمرارها أكثر من 30 سنة دون توقف، وثانيا في قدرتها على الصمود بوجه الرياح والأعاصير الرهيبة التي ضربت المنطقة، وكان أعنفها احتلال جيش صدام حسين العراقي للكويت 1990، كخطر خارجي، وثالثا قدرة هذه الدول على احتواء الخلافات بينها مهما بلغت حدتها (وهي تكون حادة وصاخبة أحيانا) كما جرى ويجري كثيرا، خصوصا فيما يتعلق بالنزاعات الحدودية.
سبب هذا النجاح، على الرغم من كل التحديات، وعلى الرغم من كل الإحباطات التي قد تعتري المواطن الخليجي بفعل تعثر كثير من خطوات التعاون والتسهيلات، هو في وجود خيمة جامعة وخطوات، ولو بطيئة، تحت سقف سياسي استراتيجي جامع لهذه الدول.
هذا السقف يمكن تحته الاختلاف ولو لدرجة عميقة ومعقدة، كما هو الحال مع قضية العملة الموحدة، أو شكل الانتقال من صيغة «التعاون» إلى صيغة «الاتحاد»، وموعده.
إن ما يجمع دول الخليج أكثر ممّا يفرقها. المصالح العليا مشتركة، والمخاطر كذلك.
عمر مجلس التعاون الخليجي هو عمر جيل كامل، إذ أسس مجلس التعاون الخليجي في مايو (أيار) 1981، ليكون جامعة للدول العربية الست المطلة على الخليج، بوصفها دولا تملك صفات اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابهة، وأيضا بوصفها محتاجة للتعاون والتنسيق إزاء دول ضخمة ذات طموحات توسّعية، مثل إيران سابقا ولاحقا، وعراق صدام حسين لاحقا، وغير ذلك من مجالات التنسيق.
الدعوة لـ«الاتحاد» انتقالا من حالة «التعاون» أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض (ديسمبر «كانون الأول» 2011)، وما زال الجدل جاريا حول هذه الدعوة، لجهة تحديدها وإيضاحها، مع أن الأمر واضح لمن يريد الوضوح حقا؛ فهي صيغة شبيهة بصيغة الاتحاد الأوروبي إلى حد ما. كل ما هنالك يتعلق بتنسيق السياسات العليا في مجالات الاقتصاد والدفاع والأمن والطاقة، لكي يحصل كل الأعضاء على أعظم المكاسب من كل دول العالم وتكتلاته، من دون مساس بسيادة أو بهوية داخلية.
في مايو 2012، أعاد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التأكيد على هذه الدعوة، في خطاب له ألقي في لقاء الشباب الخليجي بالرياض، عندما شدد فيه على إيجاد «صيغة اتحادية مقبولة».
لقد تبيّنت أهمية وجود هذا التنسيق فيما جرى من اضطرابات حادة بالعالم العربي، والإقليم كله، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ولعل ما ساعد دول الخليج هو وجود مظلّة جامعة لهم أنقذتهم من الأمواج العاتية، كما تبين من ضخّ المساعدات المالية لبعض الدول، وأيضا في العون العسكري والأمني والدبلوماسي لبعض الدول الأخرى من هذه المنظومة.
إلى أين يذهب مَن لا يريد ذلك من هؤلاء الأعضاء كلهم؟ وهل سيصنع لنفسه مسارا منافرا لمسار بقية الدول الأعضاء؟
هل يستطيع الفرار من قدَر الجغرافيا، أو قدر التاريخ، أو من قدر الحاضر بمصالحه المتشابكة في عمق النسيج الخليجي؟
ثم هل يستطيع بعد ذلك الفرار من ذاته وهويّته المعجونة بمياه الخليج ورماله؟
عند نهاية المطاف، وبعد انقضاء الضجيج والصخب، سيتبين لمن يتوهم أن بمقدوره التغريد وحده.. والإبحار منفردا في لجج البحار أنه إنما كان يطارد خيط دخان.
8:37 دقيقه
TT
هذا مجلس الخليج
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة