بيتر كوي
TT

بنك «سيليكون فالي»... أخطار تلوح في الأفق

إذا كنت تتساءل عن السبب وراء اضطرار شركة تأمين الودائع الفيدرالية إلى السيطرة على بنك سيليكون فالي، أحد أكبر المقرضين للشركات التكنولوجية الناشئة، الجمعة، ربما من الأفضل أن تبدأ بحثك عن الإجابة من بنك الاحتياطي الفيدرالي.
زاد الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة بوتيرة سريعة للغاية على مدار العام الماضي، في محاولة لإخماد التضخم. وعليه، فإنه بفضل الاحتياطي الفيدرالي، أصبحت البنوك مضطرة إلى سداد معدلات فائدة أعلى بكثير على ودائعها والتزاماتها الأخرى. إلا أنها في الوقت ذاته لا تجني أكثر بكثير على أصولها، والتي تتضمن القروض التي تصدرها وسندات الخزانة التي تشتريها.
ومع ذلك، تكمن المشكلة الحقيقية أمام البنوك ـ وليس بنك سيليكون فالي فحسب ـ ليس في معدلات الفائدة الأعلى بكثير، بقدر ما تكمن في سرعة حدوث الزيادة.
وفيما يلي سأعرض رأي بروفسور من سيليكون فالي ـ داريل دوفي، بروفسور بكلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد ـ والذي يشرح خلاله الكثير:
«في العادة، ترتفع معدلات الفائدة ببطء شديد وبالكاد يلحظ المودعون أنهم لا يحصلون على معدلات جيدة للغاية مقارنة بمعدلات السوق».
ويترك المودعون غير المنتبهين ممن تتسم حركتهم في الحياة عامة بالبطء، أموالهم في ودائع تقدم عائداً ضئيلاً أو لا توفر أي عائد على الإطلاق، الأمر الذي يسعد البنوك للغاية بطبيعة الحال، حسبما شرح دوفي. وعندما تبدأ معدلات الفائدة في الارتفاع ببطء، يكون أمام البنوك متسع من الوقت لإحلال أصول مرتفعة العائد محل الأخرى منخفضة العائد.
إلا أن الأمر لم يعد كذلك الآن، طبقاً لما أخبرني به دوفي، الذي قال: «هذه المرة مختلفة تماماً، لأن الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة على نحو حاد للغاية، وما يزال مستمراً في ذلك».
وهو على حق: فقد ارتفع الحد الأعلى من النطاق المستهدف لمعدلات الأموال الفيدرالية من 0.25% سنوياً إلى 4.75% في الوقت الحاضر، ويتوقع غالبية الخبراء أن يزيد الاحتياطي الفيدرالي هذا الحد بمقدار نصف نقطة مئوية أو ثلاثة أرباع نقطة إضافية خلال الشهور المقبلة. ومن حيث السرعة، ينافس هذا الوضع موجات الارتفاع شديدة السرعة التي شهدتها معدلات الفائدة بين عامي 1979 و1981 تحت قيادة بول فولكر.
وبذلك يتضح أن البنوك تدفع أموالاً أكثر بكثير من أجل الاقتراض، لكنها لم تتمكن من زيادة العائدات على أصولها. على سبيل المثال، بمقدور البنوك فرض رسوم أكبر على القروض الجديدة، لكنها مقيدة بمعدلات فائدة منخفضة على عدد أكبر بكثير من القروض التي أصدرتها فيما مضى.
في الواقع، الأمر أسوأ من ذلك، فمن أجل جمع أموال نقدية كافية لعمليات السحب، تضطر البنوك لبيع سندات خزانة تراجعت قيمتها السوقية بشدة، جراء إجراءات رفع معدلات الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي. (تتراجع قيمة السندات، المرتبطة بمعدلات فائدة ثابتة، عندما تخرج أخرى جديدة للنور توفر معدلات فائدة أعلى).
ومع ذلك، يبقى التساؤل: لماذا سيليكون فالي تحديداً؟ ما الذي جعله عرضة للخطر على نحو الخصوص؟ من بين الأسباب أن الكثير من قروضه مرتبطة بمجال التكنولوجيا، الأمر الذي ينطوي على صعوبات في الوقت الراهن. ويتمثل سبب آخر ربما يكون أكثر أهمية، في اعتماد البنك بشدة على ودائع من مؤسسات، لا أفراد.
الحقيقة أن الأشخاص الذين يتولون إدارة شركات أو صناديق استثمارية أو مؤسسات أخرى، يبحثون دوماً عن أعلى عائد يمكنهم الحصول عليه. وبالتالي، فإنهم يسحبون المال سريعاً من البنك ليودعوه في صندوق لسوق المال، على سبيل المثال.
علاوة على ذلك، فإن المؤسسات تسارع لسحب أموالها من بنك ما إذا رأت أنه قد يفلس. وحتى إذا كانت مقتنعة بأن البنك بحالة مالية جيدة، فإن المؤسسات قد تسحب أموالها خوفاً من إقدام آخرين على الخطوة ذاتها.
ويعد هذا موقفاً كلاسيكياً يتعلق بالبنوك. ومع أن ودائع المؤسسات تخضع لحماية شركة تأمين الودائع الفيدرالية، فإن هذه الحماية تغطي حتى 250.000 دولار فقط، وهو مبلغ بالغ الضآلة من وجهة نظر المؤسسات. وقبل سيطرة شركة تأمين الودائع الفيدرالية، أخبر سوني جونيجا، مؤسس شركة «كانوبي أناليتيكس»، شركة ناشئة تركز على التكنولوجيا المرتبطة بمجال العقارات، «نيويورك تايمز» بأنه: «فعلت كل ما بوسعي» لسحب أمواله من بنك سيليكون فالي. ومع أن البنك كان شريكاً جيداً، فإنه لم ير ميزة وراء البقاء، ولم يجد نتيجة سلبية للانسحاب.
من جهته، قال أنيل كاشياب، بروفسور بكلية بوث لإدارة الأعمال التابعة لجامعة شيكاغو، إن سيليكون فالي كان «الأشد بطئاً بين عناصر القطيع».
الملاحظ أن أسعار أسهم بنوك إقليمية أخرى تراجعت هي الأخرى. على النقيض من ذلك، قدمت البنوك الكبرى على مستوى البلاد ـ بانك أوف أميركا وسيتي بانك وجيه بي مورغان تشيس وويلز فراغو ـ أداءً أفضل، وذلك لاعتمادها بشدة على مودعين أفراد صغار أقل انتباهاً لمسألة الفائدة، ويقدمون على تحريك أموالهم ببطء أكثر.
من جهتها، أخبرتني أنات أدماتي، زميلة دوفي بجامعة ستانفورد، أن البنوك تصبح أقل عرضة للمخاطر إذا ما تمتعت بمصدات أمان أكثر سمكاً تتمثل في الأسهم. ويعني ذلك قدراً أقل من الاقتراض لأي مستوى من مستويات الأصول. وبذلك، فإنه حتى إذا فقدت هذه الأصول الكثير من قيمتها، ستبقى أعلى قيمة من التزاماتها.
التساؤل الأكبر الآن أمام كل من الأسواق والجهات التنظيمية، ما إذا كانت الكثير من البنوك على وشك التداعي. ومن أجل الحيلولة دون وقوع أزمة مالية متفاقمة، يمكن لشركة تأمين الودائع المصرفية ضمان جميع التزامات البنوك، بما في ذلك الودائع من دون حد، مثلما فعلت أثناء الأزمة المالية العالمية. إلا أن دافعي الضرائب لن يقدموا أموالاً لإنقاذ البنوك وكبار المودعين بها من قراراتهم الرديئة. وعن هذا، قالت أدماتي: «بالنظر لما تحمله من ديون كبيرة للغاية، ترغب البنوك دوماً في الاستفادة من الجوانب الإيجابية وترك السلبيات للآخرين».
بجانب ذلك، قال كاشياب: «لا أعتقد مطلقاً أن البنوك الضرورية لضمان صحة الاقتصاد قريبة من الإفلاس. من ناحيتها، تهتم الجهات التنظيمية بالمنظومة، وليس ببنك معين. وربما هذا سيوقظ الجميع».
أو ربما إذا تعرضت المزيد من البنوك لمشكلات، سيبطئ الاحتياطي الفيدرالي وتيرة إقراره زيادات بمعدلات الفائدة. حتى الآن، يراقب البنك أي مؤشرات قد توحي بأن معدلات الفائدة الأعلى تؤثر على الجوانب غير المالية من الاقتصاد. المثير للدهشة أن سوق الوظائف أبلت بلاءً حسناً، مع إعلان مكتب إحصاءات العمل، الجمعة، ارتفاع عدد الوظائف بمقدار 311.000 وظيفة في فبراير (شباط). ورغم ارتفاع معدل البطالة، فإنه وصل إلى 3.6% فقط، ما يعد مستوى منخفضاً للغاية قياساً إلى معايير تاريخية.
المؤكد أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم بأول، ومعاونيه في تحديد معدلات الفائدة سيسألون عن تأثير سياساتهم على البنوك خلال الأسابيع القادمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»