جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

أيهما تختار؟

سألني أحدهم سؤالا لم أكن أتوقعه، ومن الصعب عادة الاجابة عن سؤال غير متوقع.
السؤال كان: ما هو حلمك؟ جوابي كان مزيجا ما بين التعجب والتفكير السريع، فقلت: «أسعى دائما لأن تكون أحلامي واقعية بعض الشيء، لكي أسعد بتحقيقها وإلا فستبقى أحلاما». أعرف بأن الجواب لم يكن عميقا لأنني لم أنتظره، وقلما أحلم لأني أسعى دائما للعمل الدؤوب للوصول إلى مبتغاي .
طرحت نفس السؤال على صديقي، فكان جوابه سريعا وكأنه فكر فيه من قبل، وكيف لا وهو من بدأ بمساءلة الأحلام.
«راعي أغنام» هذا كان جواب ذلك الشاب المثقف والمتعلم ابن المدينة، ضحكت وقلت «لماذا»؟ فقال هل من أجمل من العيش بسلام من دون التفكير بأمور معقدة تفرضها عليك حياة المدن والمجتمعات الكبرى؟ وذكرني تلقائيا بزيارتي إلى شبه جزيرة الداخلة في المغرب، حيث قابلت نماذج صحراوية لا يمكن وصفهم إلا بالإيجابيين والسعيدين، يعيشون مما تهبهم إياه الصحراء ببساطة العيش فيها، يأكلون مما يجود به البحر، وينامون نوما هنيئا من دون الحاجة إلى اللجوء إلى الأقراص المنومة كعادة أهل المدن، بعد التفكير في كابوس فاتورة في طريقها إليهم، يأكلون كل ما هو صحي من دون الحاجة إلى اللجوء إلى تقارير الوزير «أبو فاعو» (كما هو الحال حاليا في لبنان) بسبب الفساد المنتشر في مواد التغذية والمطاعم.
وكم أعجبني مشهد النساء الصحراويات، وهن يشاركن الرجال في الغناء تحت نجوم السماء الصحراوية، ولديهن الحق بأن يعبرن عن فرحهن، فهن من أكثر النساء اللاتي يقدرهن الرجال، أجواء بسيطة، جميلة خالية من عقد المدن وتسارع وتيرتها.
فنحن في المدن الكبرى نستيقظ على ضجيج السيارات، هذا إذا تركك المنبه بأن تنعم بضجيج الطريق، قبل أن يكون قد بسط إزعاجه، ليعلمك بأن فترة الراحة انتهت، وحان وقت الهلاك.
على عكس الصحراء أو أي جزيرة نائية، تستيقظ فيها على زقزقة العصافير أو منظر الشمس وهي تغازل الرمال، وأول ما تشاهده هو روعة طبيعية التي لا يضاهيها أي شيء آخر، والأهم من هذا كله أنك تستيقظ بهدوء ينعكس على شخصيتك وأدائك خلال النهار.
في رحلة قمت بها منذ سنوات إلى جزيرة سيشيل تعرفت على رجل بريطاني يعيش على جزيرة صغيرة ونائية تصل إليها عبر القارب، عرفت بعدها بأن هذا الرجل كان يعمل في واحد من أهم بنوك لندن، وكان راتبه يتعدى راتب رئيس الوزراء البريطاني، إلا أنه وبعد تفكير عميق ترك عمله وبلده، وذهب للعيش في جزيرة ليس العيش فيها بحاجة لأكثر من بنطال قصير وتيشيرت وقبعة وحذاء مفتوح تقيه حر الشمس، ووجد له عملا متواضعا، فهو يأكل أفضل أنواع الأسماك، وكل المنتجات المتوافرة عضوية وصحية، لا يملك هاتفا جوالا، ولا يعرف بما يجري في العالم، كل ما يعرفه هو أنه حقق حلما، لم يكن يعرف بأنه كان يحلم به أصلا.
أنا لا أقول بأن العيش في الصحاري أو الانقطاع على طريقة النساك هي الأفضل، وإلا فما بنيت المدن والأوطان، ولكن قد يجدر بنا التوقف لثانية والتفكير «هل هو فعلا من المهم بأن نملك ساعة تحل محل هاتف جوال؟» وهل بذلك سنقول لبعضنا البعض : «أساعتك لاحقا» بدلا من «أهاتفك لاحقا؟».
صراحة لا أملك الجواب فشاركوني برأيكم.