وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

{أوبك بلس} عليها أن تواجه المنافسة بين أعضائها مستقبلاً

بالأمس كانت هناك جملة من الأخبار التي جعلتني أفكر في مستقبل تحالف {أوبك بلس} والتحديات التي تواجهه مستقبلاً، والتي سوف تكون داخلية وليست خارجية، بمعنى أنها ستكون بين أعضاء التحالف أنفسهم وليس مع المنتجين خارجه.
أولها هو خبر مواصلة الإمارات العربية المتحدة استثماراتها لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط الخام، ليصل إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030 في الوقت الذي أعلنت فيه المفوضية الأوروبية أنها اعتمدت مقترحاً لوقف استخدام محركات البنزين والديزل بدءاً من 2035. ولهذا أليس غريباً أن نرى دولا نفطية تفكر في زيادة إنتاجها في وقت يحاول فيه العالم العزوف عن النفط ومشتقاته؟
حتى فترة بسيطة، كان الحديث عن القدرات الإنتاجية محصوراً على السعودية والولايات المتحدة باعتبار أنهما الدولتان الوحيدتان القادرتان على زيادة طاقتهما الإنتاجية، إذ إن السعودية التي لديها قدرة لإنتاج نحو 12.5 مليون برميل يومياً، قادرة حتى اليوم على رفع هذه الطاقة بنحو مليون إلى مليوني برميل إضافية، لكن المملكة لا تحتاج لذلك لأنها لا تستخدم أكثر من 10 إلى 11 مليوناً من طاقتها اليومية وتبقي قرابة 1.5 إلى 2.5 مليون برميل كطاقة احتياطية لمواجهة تقلبات السوق.
أما الولايات المتحدة فهي تجاوزت كل التوقعات بفضل النفط الصخري وأصبحت تنتج أكثر من قدرة روسيا والسعودية بواقع 12 مليون برميل يومياً وأكثر قبل أن يتأثر إنتاجها بما حدث مع جائحة «كورونا». وإذا نظرنا إلى روسيا فإنها لا تستطيع أفضل مما كان وكل ما لديها هو 11 مليون برميل يومياً تقل أو تزيد بحسب ظروف السوق واتفاقات تحالف {أوبك بلس}. ورغم أن لديها موارد للنفط الصخري أفضل من الولايات المتحدة، فإن العبرة بقدرة الإنتاج وليس حجم الموارد.
ولم يكن هناك سوى العراق الذي كان من الممكن أن يضيف كميات كبيرة من النفط في السابق، وكانت هناك خطط لهذا البلد العريق أن ينتج نحو 8 إلى 10 ملايين برميل يومياً، ولكنها كانت خططا طموحة جداً ولم يرد السوق تصديقها، إذ يعاني العراق من ضعف في الاستثمارات الأجنبية والاستقرار الأمني الذي يساعد الشركات الدولية على القدوم والاستثمار في مشاريع كبرى مثل تطوير حقل غرب القرنة وغيره من الحقول.
وكان من الممكن أن تضيف الكويت طاقة إضافية تجعلها قادرة على ضخ أكثر من 4 ملايين برميل يومياً مع الاستثمار في النفط الثقيل وتحسين الإنتاج في برقان العتيد وغيره من الحقول المشتركة مع السعودية في الوفرة والخفجي، ولكن للأسف خطط الاستثمار في الكويت لم تجد طريقها للنور هي الأخرى، وظل الوضع كما هو عليه مع ضعف الطلب خلال الجائحة والسقف المفروض عليها ضمن اتفاقها مع أوبك +.
أما إيران صاحبة أول بئر نفطية في الشرق الأوسط والتي كانت في يوم ما منتجاً كبيراً، فلن تستطيع العودة بسهولة إلى قدرتها لإنتاج 4 ملايين برميل يومياً والتي وصلت له في عهد شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، وستظل في أحسن ظروفها تنتج فوق 3 ملايين برميل يومياً.
ولهذا لا يوجد في العالم الكثير من الدول القادرة على مواجهة أي نمو في الطلب سوى دول بسيطة في مقدمتها السعودية والإمارات وروسيا والولايات المتحدة. ولا أتصور أن البرازيل وكندا والصين قادرة على تقديم المزيد في المستقبل.
لكن مع الشكوك حول الطلب، ووجود معروض فائض، سيكون من الأفضل أن يقسم تحالف {أوبك بلس} السوق فيما بينه حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة وتؤدي المنافسة إلى هبوط الأسعار ويصبح النفط سلعة رخيصة رغم شحه. للأسف لا يوجد أمام الدول النفطية سوى الاستمرار في هذا التحالف لسنوات قادمة، إذ إنه دخل سنته الخامسة وفي طريقه للسادسة قريباً.
وعلى عكس ما نعتقده اليوم بأن التحالف يتنافس مع الولايات المتحدة والمنتجين الآخرين خارجه، فإن التحالف في المستقبل سيتنافس مع نفسه، وسيكون الأمر المهم هو قدرته على تأمين الطلب وإدارة المعروض، وإلا خرجت الأمور عن السيطرة مع طموح كل الدول لزيادة إنتاجها واستهلاك كل قطرة من نفطها حتى 2030 إذ إن المستقبل بعد هذه السنة ليس بالمضمون. وما نراه اليوم من خلاف بين الإمارات والتحالف حول مستويات الإنتاج، ليس إلا مقدمة لما ستكون عليه الأمور مستقبلاً والتي لن تستقيم دون هذا التحالف الذي كانت روسيا تريد له أن يكون مؤقتاً منذ البداية.