جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

«مناعة القطيع» لم تُحسم بعد

تعاني بريطانيا من انقسام جديد بشأن كيفية الاستجابة للجائحة، حيث يواجه رئيس الوزراء بوريس جونسون تمرداً من النواب بسبب الخطط الخاصة بعمليات الإغلاق الثانية لمكافحة الفيروس، وذلك في الوقت الذي أسهمت فيه المخاوف بشأن زيادة الحالات في الولايات المتحدة في اضطراب السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية.
لماذا إذن تنجح الأسواق في الحفاظ على هدوئها النسبي حتى الآن تجاه ما يجري؟ يبدو من الواضح أن البنوك المركزية لها علاقة كبيرة بهذا الأمر، ولكن لا يزال من المعقول أيضاً أن نأمل ألا تكون هناك «موجة ثانية» حقيقية من الأساس، حيث يبدو أن العلماء منقسمون حول هذا الأمر، وحتى البيانات الأكثر إثارة للقلق في الأسابيع القليلة الماضية لا تثبت أن هناك موجة ثانية قادمة.
لنبدأ بالمملكة المتحدة، حيث يبدو المشهد السياسي هناك حالياً حاداً للغاية، فصحيح أن أحدث البيانات تظهر وجود حالات جديدة بأعداد أعلى مما كانت عليه خلال الموجة الأولى في الربيع الماضي، ولكن ما يدعو للأمل هو أن أعداد الوفيات قد باتت أقل بكثير ولم ترتفع حتى الآن، ويعد معدل الوفيات بمثابة مؤشر جيد.
وفي حال أردنا معرفة تأثير الفيروس على سلوك الناس فإنه من المنطقي أن ننظر إلى معدل الازدحام المروري في الشوارع، ففي أوروبا وآسيا لا يزال معدل التنقل منخفضاً بشكل ملحوظ، وذلك بشكل كاف لإحداث بعض التأثير على الاقتصاد، ولكن لم تكن هناك أي علامة على تقليل الناس لسفرهم في الأسابيع الأخيرة، وقد أظهرت الموجة الأولى أن الناس يميلون إلى القيام بذلك طواعية، من دون الحاجة إلى حث من الحكومة.
وكل هذا يعد دليلاً ظاهرياً على أن «مناعة القطيع» قد باتت أقرب مما قد توقعها الكثيرون، فخلال الموجة الأولى، في الربيع الماضي، نجا جنوب الولايات المتحدة إلى حد كبير من الفيروس، والمدينة الوحيدة التي عانت من وجود تفش خطير له كانت مدينة نيو أورليانز التي أصرت على المضي قدماً في إقامة مهرجان ماردي غرا السنوي الضخم، ولكن ظلت بقية ولاية لويزيانا غير متأثرة بالفيروس بشكل نسبي.
ولكن بمجرد أن ضربت الموجة الثانية البلاد، حدث العكس حيث لم تشهد مدينة نيو أورليانز سوى عدد بسيط فقط من الإصابات، وكانت المدينة الأقل تضرراً في الولاية، مما يدعم فكرة أن التفشي الأولي قد ساعد المدينة على تطوير مناعة كافية للقطيع لتجنب الإصابة في الموجة الثانية.
ولكن هل هذا يعد مجرد التمني بأن الفيروس سيختفي؟ قد يكون كذلك بالفعل، فهناك أدلة تدعم فكرة أن فرص تحقيق مناعة القطيع قد باتت أقل مما كان يُعتقد سابقاً، وهو ما يدعمه علماء الأوبئة في جامعات مثل هارفرد (الأميركية) وأكسفورد (البريطانية).
الأساس النظري للشعور بالأمل يكمن في عدم تطابق السكان، حيث لن يكون جميع الأشخاص عرضة للإصابة بالفيروس على قدم المساواة، وهناك الآن نقاش دائر حول سبب إصابة البعض بشكل أسوأ بكثير من الآخرين، كما باتت الآن فكرة ما إذا كان التعرض المسبق، ربما لفيروسات «كورونا» الأخرى، يساعد بعض الناس على مقاومة (كوفيد - 19) محل بحث مكثف، كما أنه لن يتعرض جميع الأشخاص للعدوى بشكل متساوٍ، فهناك بعض الناس الذين يتواصلون مع بعضهم بعضاً بشكل طبيعي أكثر بكثير من غيرهم خلال حياتهم اليومية، ومن المرجح أن يكون هؤلاء الأشخاص قد أصيبوا بالفعل بالعدوى، وبالتالي فإنهم لن يصيبوا أي شخص آخر في حال حدوث موجة ثانية.
وقد كانت الموجة الثانية من الحالات في بريطانيا وخاصة إسبانيا أعلى بكثير مما توقعها العلماء في وقت سابق من العام، وهذا يحتاج إلى شرح، وفي هذا الشأن يوضح الكاتب في بلومبرغ تايلر كوين أن نظرية مناعة القطيع تدور حول وجود عدد أقل من الأشخاص المصابين، وليس حول عدد أقل من الناس الذين يموتون (وهو ما يمكن تحقيقه من خلال العلاج الذي يظهر كل يوم في الوقت الذي يتعلم فيه الأطباء كيفية التعامل مع المرض).
والتفسير الأكثر منطقية حتى الآن لزيادة عدد الحالات في الوقت الحالي مع انخفاض معدل الوفيات هو أن اختبارات (كوفيد - 19) التي يتم إجراؤها حالياً قد باتت حساسة للغاية، حيث يمكنها التقاط كميات ضئيلة من الفيروس، حتى أنها في بعض الحالات قد تلتقط فيروساً ميتاً من عدوى سابقة، كما أن الاختبارات قد تقدمت في كل من بريطانيا وإسبانيا بمعدل أسرع بكثير مما توقعه العلماء، ولا يزال معدل الاختبارات الإيجابية منخفضاً للغاية، لا سيما في المملكة المتحدة، فهل ستعتبر الموجة الثانية في بريطانيا بمثابة فرصة لإجراء المزيد من الاختبارات بمعايير شديدة الحساسية؟
ومن السابق لأوانه القول إن نظرية حدوث مناعة القطيع قد تم إثباتها بالفعل، فحدوث انتشار جديد كبير لعدد الإصابات في مكان قد تعرض سابقاً لانتشار المرض، من شأنه أن يلحق أضراراً قاتلة بهذه النظرية.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»