جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

هل للعمر تاريخ صلاحية؟

في الصحافة الغربية تقليد لا يمكن تطبيقه في العالم العربي، لأن المعنيين في البلدان الناطقة بلغة الضاد يعانون من حساسية مفرطة تجاه السن، في الغرب السن هو مرادف الاسم، سواء أكان الشخص مشهوراً أم مطموراً، السن موجود، والشفافية فيه واضحة وصريحة من دون استثناء المشاهير من الجنس اللطيف.
في عالمنا العربي، نتربى على عقد كثيرة، من بينها العمر، فهناك من غرس في أذهاننا أن للسن صلاحية انتهاء، إنما في الغرب السن هو مجرد رقم، والفرص التي يسعى إليها المرء تحدد صلاحية عطائه أو انتهاءها.
اخترت التكلم عن هذا الموضوع، بعدما أصبح الكابتن «السير» البريطاني توم مور، الذي قرر المشي في حديقة بيت المسنين الذي يعيش فيه، للتبرع للخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا، منذ تمكن فيروس كورونا من بسط سلطته على العالم برمته، لتفوق التبرعات حاجز 32 مليون جنيه إسترليني، في أقل من أسبوع، من بين أكثر الأسماء التي يتم البحث عنها على محرك غوغل. كابتن مور أصبح أشهر شخص في بريطانيا والعالم قبل أسابيع قليلة من احتفاله بشمعته المائة، وهبته الملكة إليزابيث الثانية لقب «سير»، واستضافته وسائل الإعلام المحلية والعالمية وبلغات كثيرة، وخصص له الصحافي المثير للجدل بيرس مورغان حلقة خاصة عن حياته وإنجازاته في برنامجه الذي يعتبر من أقوى البرامج في العالم.
الكابتن مور ليس الدليل الوحيد أو الأوحد على أن السن مجرد رقم، إنما العمل والإبداع على أي نطاق فكري هو تأشيرة للحياة والشهرة حتى الثراء.
هناك كثير من الأشخاص الذين يتبوءون أرفع المناصب، استغرق تسلقهم إلى القمة عشرات السنين.
الحياة لا تنتهي عند سن أو رقم، العمر ينتهي مع انتهاء الإبداع والطموح وخلق الأفكار. في عالمنا العربي السن مشكلة ونحن في أوج الشباب، ومشكلة أكبر في خريف العمر، وإذا ما فكرنا بالأمر لوجدنا أننا نعقّد حياتنا بأمور بسيطة وتافهة. عندما نكون في عمر الورود نتوق للكبر ونحلم بسن الرشد الذي يخولنا اختبار مغامرات كثيرة، ويجعلنا مستقلي الرأي والعيش إلى حد ما، وعندما نكبر في أجواء مؤججة بالحساسية تجاه العمر نصبح سجناء وعبيداً لعقارب الزمن.
الطاهية الأميركية جوليا تشايلد صاحبة أكثر الكتب مبيعاً في العالم حصلت على الشهرة العالمية، وهي في سن التاسعة والأربعين، بدأت حياتها المهنية الفعلية فيما هو متعارف عليه بمنتصف العمر، في حين أصبحت الممثلة البريطانية جودي دينتش اسماً عالمياً عندما بلغت سن الستين، ومن منا لا يعرف الكاتبة البريطانية الأشهر صاحبة كتب هاري بوتر، جاي كاي رولينغ؟ هذه الكاتبة الرائعة تعرضت إلى كثير من الإخفاقات في بداية مشوارها المهني، رفضت أعمالها ووصفت بالفاشلة، ولم تتذوق طعم الشهرة والنجاح إلا بعد بلوغها سن الثانية والثلاثين، أما بالنسبة للممثل العالمي مورغان فريمان فلم يسمع أحد به وبموهبته إلا بعد أن أبحر في سن الخمسين. وإذا كنتم من متابعي برامج المواهب الفنية فلا بد أنكم سمعتم بالظاهرة العالمية الإسكوتلندية سوزان بويل، التي وصلت العالمية وهي في سن السابعة والأربعين.
لائحة الأسماء التي وصلت إلى العالمية وطرقت باب النجاح في مرحلة متقدمة من العمر تطول، ولا يمكن أن نحصيها في مقال قصير، إنما المعنى من هذا الموضوع هو أن السعي للنجاح والإبداع لا يعترف بعمر ولا بسن، وما يسميه البعض بالحظ أعتقد أنه من الأصح تسميته بالفرص، ففي كثير من الأحيان تأتي الفرص ولا نصونها ونلوم الحظ ونبكي على أطلال وهمية.
المرء لا يعيش مرة، إنما يعيش كل يوم، ويموت مرة.