فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

اللاجئون السوريون وخطاب الكراهية

ظهرت مواقف لبعض السياسيين اللبنانيين في السنوات القليلة الماضية إزاء قضية اللاجئين السوريين، وهذا بخلاف ما يُفترض أن يكون عليه الموقف في بلد صغير مثل لبنان تحيطه سوريا على امتداد حدوده البرية المفتوحة، ويرتبط سكانه بجيرانهم بعلاقات قربى وتواصل، ومصالح اقتصادية راهنة ومستقبلية، وكله باستثناء أي كلام عن العلاقات التاريخية والثقافية، التي تشد البلدين والشعبين بعضهما إلى بعض. فأزمة اللجوء السوري مصيرها إلى نهاية، لكن الجوار السوري - اللبناني باقٍ شئنا أم أبينا.
سوء هذه المواقف من قضية اللاجئين ممتد في موضوعين أساسيين؛ أولهما خطاب الكراهية ضد اللاجئين، والآخر جملة الممارسات العنصرية التي رسمت حدود التعامل معهم، ووصلت في كثير من الأحيان إلى مستوى الجرائم، التي يحاسب عليها القانون.
ورغم أن خطاب الكراهية والممارسات العنصرية مستمدان بالأساس من موقف سياسي تتبناه أوساط نافذة في السلطة اللبنانية، ترتبط بعلاقات قوية مع نظام الأسد في سوريا، وتنفذ بعض سياساته حيال اللاجئين السوريين في لبنان، فقد أعطت تلك الأوساط خطاب الكراهية والممارسات العنصرية أبعاداً تجاوزت السياسة، ليأخذا أبعاداً اجتماعية وثقافية واقتصادية، ساعدت في تمددهما في أوساط، تجاوزت أنصار نظام الأسد في لبنان والمرتبطين اللبنانيين بعلاقات مصلحية معه.
لقد ركزت تلك الأوساط على إشاعة أن اللاجئين السوريين من بنية اجتماعية متخلفة ومتطرفة وفقيرة وإجرامية، وأنها تشكل تناقضاً متعدد الأوجه مع المجتمع اللبناني، وأضافت ربط الإشاعة حول اللاجئين بعاملين أمني واقتصادي - اجتماعي. فمن ناحية أولى، جرى التركيز على وجود امتدادات لجماعات التطرف والإرهاب خصوصاً «داعش» و«النصرة» في أوساط اللاجئين وفي مخيماتهم، مما يشكل تهديداً أمنياً للوضع اللبناني وللعلاقات القائمة بين تكويناته، ومن الناحية الثانية، تم ربط وجود اللاجئين بما يعانيه اللبنانيون من مشكلات معيشية بينها نقص فرص العمل وتدني الأجور والغلاء ونقص في الخدمات وسوء في أحوال لبنان.
وسط الإشاعة عن التأثيرات السلبية، التي يحملها ويفاقمها وجود اللاجئين، تم تصعيد فكرة أن وجود اللاجئين يمهّد لتغييرات في طبيعة الكيان اللبناني. فيزيد تأثير السوريين فيه وعليه، ويزيد نفوذ المسلمين السنة في مواجهة الوجود المسيحي من جهة والوجود الشيعي من جهة أخرى، وكله سيؤدي إلى تعميق التناقضات والانقسامات الطائفية في لبنان.
ولم تجد إشاعات اللاعبين اللبنانيين رغم هشاشتها وضعفها، مَن يوقفها أو يهزمها، إما عجزاً كما كان حال بعض من مثقفين وصحافيين ورجال سياسة، أو مسايرة للحلفاء، وتجنباً لمواجهة الطيف العنصري المتصاعد، مما أجّج خطاب الكراهية والممارسات العنصرية ضد اللاجئين، خصوصاً بعد دفع الجيش اللبناني والأمن العام إلى مداهمات المخيمات وأماكن انتشار اللاجئين بحثاً عن «مطلوبين» ممن يُعتقد أنهم متطرفون من «داعش» أو «النصرة» أو لا يملكون أوراقاً نظامية، وفي حالات كثيرة تسببت المداهمات باعتقالات غير مبررة، وترحيل آخرين إلى سوريا، بل هذه الممارسات امتدت لتطال ناشطين ولاجئين.
ومما لا شك فيه أن زجّ الجيش والأمن العام اللبناني - بما لهما من رمزية موحدة للاختلاف اللبناني - جعل من قضية اللاجئين السوريين محطّ اهتمام الأكثرية اللبنانية، ودفع نحو تصعيد خطاب الكراهية، ولا شك أن بعض الأحداث الهامشية، وأغلبها مصطنَع، جرى استخدامها في إعطاء مبررات لقسوة الجيش في التعامل مع اللاجئين، واعتبار أكثرية اللبنانيين ذلك سلوكاً طبيعياً يمكن قبوله أو السكوت عنه.
إن بذرة الإشاعات عن اللاجئين السوريين في لبنان كان مصدرها الرئيسي شخصيات لبنانية نافذة في السلطة وفي الجماعات السياسية بينهم رئيس التيار الوطني الحر ووزير خارجية لبنان جبران باسيل. وقد تلقف بعض الإعلام اللبناني الإشاعات، ولعب الدور الأهم في نشرها وتعميمها.
وصول الإشاعات حول اللاجئين إلى هذا المستوى أعطاها فرصة الانتقال إلى الفضاء العام اللبناني خصوصاً في البلديات، التي أخذ بعضها يتفنن في إطلاق المبادرات العنصرية في التعامل مع اللاجئين، في منع إقامتهم في الحدود الإدارية للبلدية أو منع تجولهم في أوقات محددة وغيرها من إجراءات شجعت، بين عوامل أخرى، بعض المرضى على ممارسات وصلت إلى حد الجرائم ضد لاجئين سوريين بينها طرد عائلات من سكنها، وقتْل صبي قهوة لأنه تأخر في تلبية طلب القاتل.
العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان تحولت بفعل جهود تشاركية ووسط بيئة محلية وإقليمية ودولية ساكتة أو مسايرة، فبلورت خطاب كراهية واسع الحضور في الواقع اللبناني له امتدادات تتزايد داخل الدولة والمجتمع شمل مؤسسات سياسية بما فيها الأحزاب، الأمر الذي يزيد من تعقيدات قضية اللاجئين في لبنان، ويجعلها جزءاً من الجحيم السوري الذي لا يجد في عالم اليوم مَن يعالجه، ويخرج بالسوريين وبقية العالم منه.