جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

وصل «الدلو» إلى منطقتنا

لا بد أنكم سمعتم بتحدي «دلو الماء المثلج»، أو رأيتم مشاهير العالم وهم يقبلون التحدي بكل رحابة صدر و«يغرقون» في الماء البارد مقابل دفع مبلغ عشرة دولارات تبرعا لحملة نشر الوعي حول مرض «التصلب العضلي الجانبي».
وشاركت شخصيات كبرى في التحدي مثل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ولاعب كرة القدم الإنجليزي ديفيد بيكام، والإعلامية العالمية أوبرا وينفري... في حين تمنع الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما عن تنفيذ حكم الدلو مكتفيا بالتبرع بالمال لمكافحة المرض.
الفكرة حتى هذه اللحظة لا تزال مقبولة، خاصة أنها جدية وإنسانية وترنو إلى هدف سام. وقد جمعت الحملة لغاية اليوم نحو 50 مليون جنيه إسترليني، وهذا مبلغ لا يستهان به. ولكن ما لفتني في الموضوع هو طريقة وصول «الدلو» إلى منطقتنا العربية وأخذه منحى آخر تسوده الهشاشة، ويبعد كل البعد عن الهدف الرئيس من الفكرة؛ فنشر الفنانون والفنانات العربيات على مختلف طرق التواصل الإلكتروني لقطات لهم وهم ينفذون التحدي، ولكنني لاحظت - ولا أعرف إذا كنت أنا الوحيدة التي لاحظت - أنهم متصنعون ويتعاملون مع التحدي، تماما مثلما يقومون دائما في منطقتنا العربية، بنقل الأفكار الغربية وترجمتها في برامج تلفزيونية تفتقر إلى العفوية، على عكس النسخة الأصلية.
لا أرى مشكلة في مواكبة الموجة العصرية، وحاليا موجة «الدلو» هي السائدة. ولكن عندما أرى كيفية تناولها على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أناس لا يعرفون السبب الحقيقي وراء التحدي ولا حتى من قام به، ولم يسمعوا حتى بأن الشخص الذي بدأ الحملة، واسمه غوري غريفين ويبلغ من العمر 27 عاما، غرق الأسبوع الماضي في ماساتشوستس بعدما استطاع جمع أكثر من 11 مليون دولار أميركي، وجاءته الفكرة بعدما وقع صديقه بيت فريتس بمصيدة المرض العصبي اللئيم.
والسؤال هنا: لماذا ترانا دائما في منطقتنا نفهم الانفتاح والأفكار الغربية بالمقلوب، وتكون النتيجة تافهة وسطحية؟ ولماذا ننتظر ابتكارات وإبداعات الغرب من دون محاولة أن نكون سباقين؟ وفيما يخص مسألة «صرخة» الدلو، لماذا لم تخطر مثل هذه الفكرة أو غيرها على بال عربي للقيام بحملة تبرع للسوريين والعراقيين وأهالي غزة؟ فكم شخصا من الذين صورا أنفسهم «للشهرة» و«الانتشار» على الإنترنت يفهم ما هو مرض Motor Neuron Disease؟
وأنا هنا أعبر عن رأيي الشخصي، والصور والأفلام القصيرة المنشورة على «فيسبوك» وغيره من المواقع تثبت أن الغالبية منهم يقومون بالتحدي من دون أي وعي وإدراك للمسألة وسببها وهدفها، إنما كل ما في الأمر هو مواكبة الغرب وركوب الموجة السائدة.
المتمعنون بقوانين تنفيذ حكم «الدلو بالماء المثلج» يعرفون أنه يتوجب على منفذ التحدي دفع مبلغ عشرة دولارات أميركية، وبعد التنفيذ يتمكن من تسمية شخص آخر لتنفيذ الحكم، إلا أنه في منطقتنا العربية حتى تسمية الآخرين لها أبعاد أخرى وتصفية حسابات شخصية.
الرجاء دعوا «الدلو» يجني الأموال لصالح مرض خطير آخذ بالفتك في أعصاب مرضاه، وقوموا بأعمال خيرية تتناسب مع بيئتكم، وتذكروا المقولة الشهيرة: «الأقربون أولى بالمعروف».