تتجه عائدات السندات الحكومية إلى التراجع في مختلف دول العالم. في اليابان، على سبيل المثال، يبلغ العائد سالب 0.0.3%، وهو ثاني أقل نسبة خلال العامين الماضيين. وفي ألمانيا، تراجعت عائد السندات ذات السنوات العشر إلى 0.08%، وهي النسبة الأقل منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2016. وفي حال وصل الخوف من الكساد في الاتحاد الأوروبي إلى مرحلة الهلع، فإن الوصول إلى ما دون الصفر سيكون مسألة وقت لا أكثر.
غير أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم مشكلة ديون العائدات السلبية المستحقة عالمياً. فحسب بيانات وكالة «بلومبرغ بركليز»، فقد وصل الرقم الأسبوع الجاري إلى 8.9 تريليون دولار، وهو الرقم الأعلى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017. ولو أننا وضعنا ذلك في الاعتبار، فإنه من المناسب أن نقول: إن السندات ذات السنوات العشر ليست بالخيار الأمثل للكثير من المشترين في تلك المناطق حتى ولو بلغ العائد 2.63% كحد أدنى.
السبب في ذلك أن التكلفة الحالية لتلافي مخاطر العملة باهظة، ويرجع ذلك إلى الفارق الكبير في العائدات بين مصارف لندن وبين باقي الدول. إن المعيار في الولايات المتحدة أكبر وبفارق كبير لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع من نسب الفائدة قصيرة المدى بينما تقاعس باقي البنوك المركزية عن اتخاذ تلك الخطوة.
دعُونا ندرس ذلك حسابياً بلغة الأرقام، تبلغ عائدات سندات الخزانة الأميركية ذات السنوات العشر سالب 0.29% بالنسبة إلى المشترين اليابانيين. وبالنسبة إلى المستثمرين الأوروبيين تبلغ النسبة سالب 0.43%، وهي النسبة الأقرب إلى أدنى معدل والذي بلغ 0.57%.
إذا نظرنا إلى الوضع بهذه الطريقة، فإنه من الواضح أن الديون المحلية لا تزال الخيار الأفضل للمشترين المعتمدين شأن صناديق التحوط وشركات التأمين الساعية إلى أصول آمنة. بالطبع، وحسبما أشار الخبير في وكالة «بلومبرغ نيوز»، ريتشارد بريسلو، ففي حال حدث بيع جماعي للدولار الأميركي، أو كان هناك إحساس عام بالتفاؤل، فإن بعض المشترين سيتلقون طعنة بشرائهم سندات الخزانة الأميركية من دون التحوط لمخاطر تقلبات العملة، غير أن مؤشر «بلومبرغ دولار سبوت إنديكس» تعامل في نطاق ضيق لعدة شهور.
إليكم الطريقة التي يتبعها المستثمرون الأوروبيون للتحوط من مخاطر تقلبات العملات: يدفع المستثمرون الأوروبيون سعر الفائدة المعمول به في مصارف الولايات المتحدة (يبلغ حالياً 2.7%) بالإضافة إلى سعر الفائدة المحلي في بلادهم، بواقع سالب 0.31%، وفوق كل ذلك، تتحتّم عليهم تغطية القاعدة التي تبلغ 7.5 نقطة أساس بالنسبة إلى المستثمرين المتعاملين باليورو. وإذا أدمجنا العاملين معاً فسيكون من السهل ملاحظة كيف أن ذلك يقضي على ميزة السندات ذات السنوات العشر.
من الممكن ملاحظة ديناميكية شراء السندات المحلية عندما تكون السندات الأميركية والألمانية في حاجة إلى المزيد من المشترين. فقد أصبح عجز الموازنة في الولايات المتحدة واضحاً، وقد أدركت الصناديق المحلية حالة الركود تلك بأن اشترت تقريباً نصف السندات ذات السنوات العشر التي عُرضت شهرياً خلال عام 2018، مقارنةً بنسبة الخُمس فقط عام 2010. في ألمانيا، فإن الإصدارات الصافية للسندات الحكومية ستكون كافية للمرة الأولى منذ عام 2014، بحسب وكالة «بلومبرغ أنتليجينس».
وفي هذا الصدد، يقول المحلل الاستراتيجي لنسب الفائدة، هاو ووثنغتون، إنه يتوقع تأرجحاً عاماً بعد عام لمبالغ تقدَّر بنحو 70 مليار يورو بدءاً من عام 2019.
نظرياً، من شأن تلك النقلة في العرض أن ترفع من نسب العائدات. إن المعلومات في مجال الأعمال توحي بأن السندات ذات السنوات العشر قد تصل إلى 75 نقطة أساسية بحلول نصف العام. وعملياً، ليس الأمر بتلك السهولة، إذ إنه علينا التعامل مع سندات الحكومة دولياً على علّاتها، مثلما حدث مع الخبير الاقتصادي بيل غروس، الذي ندم على رهانه على أن السندات الألمانية سترتفع لتقترب من نظيرتها الأميركية.
يمكن للسندات الألمانية أن تستمر على حالها، ويبدو ذلك أمراً مرجحاً. إن توقعات التضخم عالية، والنمو الاقتصادي متباطئ، ولا يتوقع سوى القليل من المستثمرين أن يرفع البنك المركزي الأوروبي نسب الفائدة المصرفية نهاية العام الجاري. الأهم من كل هذا أن سندات الخزانة الأميركية لا تبدو أفضل حالاً، فقد بدت كأنها عادت لوضعها عام 2016 بأن قلّصت من العائد وزادت من أمد السندات لتخلق حالة من «الركود المزمن».
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»