وضعت استقالة كبير المبعوثين الأميركيين، مارتن إنديك، من منصبه أواخر الشهر الماضي، بعد أقل من سنة من تكليفه من جانب وزير الخارجية، جون كيري، بلعب دور في الجهود التي بذلتها الإدارة الأميركية على امتداد تسعة أشهر، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاتمة لتلك الجهود. وكانت آخر المحاولات الأميركية لإعادة المفاوضين من الطرفين إلى طاولة المفاوضات قد اصطدمت بإعلان حكومة نتنياهو الإسرائيلية، في أبريل (نيسان) الماضي، عن خطة لبناء سبعمائة وحدة سكنية، ورفضها إطلاق سراح الدفعة الأخيرة من الأسرى الفلسطينيين بعدما أطلقت سراح عدد منهم في وقت سابق. وبذلك بدا الطريق مفتوحا أمام أكثر الاحتمالات خطورة.
بين احتضار عملية السلام واستقالة إنديك التي أعلنت «موتها» صراحة، وقعت عملية اختطاف ثلاثة مستوطنين قرب مستوطنة «غوش عتسيون» في الضفة الغربية في 13 يونيو (حزيران) الماضي، لتشكل منعطفا في الوضع الذي فتحت جميع أبوابه ونوافذه على أسوأ الاحتمالات.
وأيا كانت ملابسات تلك العملية، والطرف الذي يقف خلفها، فقد جاءت في توقيت لا يخدم أيا من الفلسطينيين أو الإسرائيليين. وأدت إلى اشتعال الموقف، وسمحت لحكومة نتنياهو بمحاولة تغيير قواعد اللعبة، واستغلال الظرف الناشئ لاستهداف المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وهذا التطور الجديد، أدى إلى إحراج السلطة الفلسطينية التي وقعت بين نار التزاماتها بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، والغضب الفلسطيني الشعبي الذي فجره الرد الإسرائيلي العسكري الواسع وغير المبرر على العملية، واتخاذه شكل عقاب جماعي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ شمل الحصار والمداهمة والقتل والاعتقال ونسف البيوت، مما نقل الوضع برمته إلى حافة الانفجار. وجاء اختطاف مستوطنين الفتى محمد خضير، وقتله وحرق جثته، ليضع الضفة الغربية، انطلاقا من القدس المشتعلة منذ ذلك الحين، على حافة انتفاضة ثالثة، عادت فيها المظاهرات والصدامات التي يتخللها إلقاء حجارة، وظهرت المقاليع الصغيرة (النقيفات) ثانية وبكثافة في عمليات رشق الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن. فيما علت في الجانب الآخر، على شبكات التواصل الاجتماعي، أصوات مستوطنين ومتطرفين يمينيين عنصريين، تدعو إلى الانتقام من العرب، منذرة بتوسيع دائرة العنف بين العرب واليهود داخل إسرائيل نفسها.
إن مصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تقتضي في الظروف الراهنة التهدئة، وعدم دفع الأوضاع إلى نقطة اللاعودة، بعد أن أخرجت جريمة قتل الفلسطيني أبو خضير آلاف الفلسطينيين إلى الشوارع. وربما تطلب هذا تغييرا في مفهوم التنسيق الأمني الذي أصبح عبئا على حياة الفلسطينيين، وجعله حاجة تؤمن لهم مصالحهم وتحميهم من تغوّل قطعان المستوطنين، واعتداءات الجيش المتكررة، وليس طوقا عليهم.
TT
الانتفاضة الثالثة و«موت» عملية السلام
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة