الشرق الأوسط
TT

الإرهاب مرض عالمي وخطر إقليمي

مسؤولية مكافحة الإرهاب لم تعد مهمة خاصة بدولة أو دولتين، أو حتى بمنظمة إقليمية لبعض الدول، لأن الإرهاب صار مرضًا عالميًّا وخطرًا كونيًّا، يجب أن تتضافر قدرات كل دول العالم على مكافحته ومحاصرته.
عندما ظهر وباء «سارس» (أو حمى الخنازير) لم يقل العالم إن هذه مسؤولية دولة بعينها، أو توجه سهام اللوم والاتهام إلى دولة واحدة بجريرة المرض، بل اتجهت الهمة لتكثيف التعاون الدولي من أجل الحرب على المرض، وبذل أقصى الجهد في مكافحته.
داء الإرهاب أعظم خطرًا وكارثية من أمراض الجسد، ورمي التهم السياسية على هذه الدولة أو تلك ليس تصرفا مسؤولا ولا نافعا، لأن الواجب حقًّا هو الشروع عمليًّا في محاربة الإرهاب وتخليص المسلمين، قبل أي أتباع لأي دين آخر، من ضرر هذه الآفة عليهم. ولقد صدرت خلال الأسبوع الماضي بعد تفجير بيروت الذي أعلنت ما تسمي نفسها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) بعده تمددها إلى لبنان أصوات تربط بصورة أو بأخرى هذا النوع من الإرهاب بدول الخليج، لكن هؤلاء تناسوا أن دول الغرب الكبرى نفسها قلقة اليوم ممّن تسميهم «مقاتليها في سوريا»، وتناسوا أن لا هوية للإرهاب ولا دين ولا منطق ولا حتى بيئة حاضنة.
إن «داعش» تعيث فسادًا وتجر خرابًا في العراق، بعدما عاثت فسادًا وجرت سوريا، وهي تلوّث مطالب الشعوب المحقة، ويحاول المختلفون سياسيًّا رمي الطرف الآخر بوصمة «داعش».
من هنا كان إعلان المملكة العربية السعودية الواضح تجريم «داعش» وأخواتها ومثيلاتها، بوصفها جماعة إرهابية، مكسبًا مهمًّا للعالم أجمع، لما تمثله السعودية من ثقل ديني على مستوى العالم بأسره.
إن السعودية أكثر الدول الحريصة على محاربة «داعش» وكسر شوكتها، لعدة أسباب، منها: أن هذه الجماعات تشوّه صورة الإسلام والمسلمين في العالم كله، وأن واجب حماية جانب الإسلام وحفظ سمعته تأخذه السعودية كواجب خاص تحمله على عاتقها، وأن «داعش» ومثيلاتها توفر أقوى ذريعة لمن يريد إحباط أحلام السوريين والعراقيين المشروعة ووأد مطالبهم المحقة برفع الظلم عنهم وحقن دمائهم وحفظ مستقبلهم.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يقود الآن حملة كبرى في المنطقة لحماية الإسلام والمسلمين من شرور «داعش» وأخواتها ومثيلاتها، وفي كلمته المرتجلة الأخيرة في مستهل شهر رمضان الكريم تحدث خادم الحرمين بأسى عمّن يُغرّر بأبناء السعوديين ويدفع بهم في محارق الفتن والإرهاب، وتكلم بنبرة حاسمة عن أن هناك من يتحمل المسؤولية في دموع الأمهات اللواتي يفجعن بأبنائهن فجأة في حفر العراق أو سوريا.
لم يعد الأمر يحتمل التهاون، بل حان وقت المواجهة الحقيقية الشاملة. ذلك أن هذه الجماعات، فوق الأضرار التي أشرنا إليها، أمست تشكل خطرًا داهمًا على وجود الدول العربية كما نعرفها، خصوصا في منطقة الهلال الخصيب، وصارت من حيث لا تدري، أو تدري، لا فرق، معوَلا بيد من يريد هدم بيوت العرب فوق رؤوسهم. ومن هنا تصبح مواجهة «داعش» وأخواتها واجبًا سياسيًّا كما هو واجب أخلاقي وديني وحضاري.
المهم في هذا كله الصدق في النية والقوة في العزيمة.

هيئة التحرير