إيلي ليك
TT

هل يوقف بومبيو نشر إيران الفوضى في المنطقة؟

أعلنت صحيفة «واشنطن بوست» أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، مايك بومبيو، التقى منذ أسبوعين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ - أون. وجاء هذا الكشف في وقت تتصاعد المعارضة داخل معسكر الديمقراطيين في مجلس الشيوخ إزاء تعيينه وزيراً للخارجية.
وتدور الحجة التي يطرحها البيت الأبيض في الوقت الراهن حول أن التأكيد على تعيين بومبيو في المنصب الجديد سيأتي بمثابة تصويت لصالح التسوية السلمية للأزمة النووية القائمة مع بيونغ يانغ.
وحسبما ذكرت المسؤولة الإعلامية بالبيت الأبيض سارة ساندرز في «تغريدة» أطلقتها، الأربعاء، عبر موقع «تويتر»، فإن: «شيئاً ليس بمقدوره التأكيد على أهمية تعيين الدبلوماسي الأول على مستوى أميركا في الوقت الحالي مثل هذه القضية. وأمام الديمقراطيين فرصة لتنحية الخلافات السياسية جانباً، والاعتراف بأن أمننا الوطني بالغ الأهمية والتصديق على تعيين مايك بومبيو».
على الجانب الآخر، تتمثل العقبة السياسية الأولى على هذه الطريق في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ. وثمة احتمال كبير بأن تعيين بومبيو وزيراً للخارجية لن يجري تمريره من هذه اللجنة؛ ما يؤدي إلى عقد تصويت على مستوى مجلس الشيوخ. جدير بالذكر، أن أحد أعضاء اللجنة من الجمهوريين، راند بول، أعلن بالفعل أنه لن يصوّت لصالح بومبيو. في تلك الأثناء، أعلن اثنان من الديمقراطيين البارزين باللجنة ـ تيم كين وجين شاهين ـ معارضتهما قرار تعيين بومبيو. جدير بالذكر، أن كليهما صوّت لصالح بومبيو العام الماضي عندما رشحه ترمب لمنصب مدير الـ«سي آي إيه».
من جانبهم، يعترف بعض الديمقراطيين اليوم بأنه من الجيد أن يضطلع أحد المعاونين الموثوق بهم من قبل ترمب بالإعداد لمثل هذه القمة بالغة الأهمية. ومع هذا، لم يعلن أي ديمقراطي أنه يدعم المرشح.
ومن الصعب الجزم بما إذا كانت الحجة التي دفعت بها الإدارة بخصوص كوريا الشمالية ستفلح في اجتذاب أي أصوات لصالح بومبيو. ومع ذلك، يبقى ثمة سبب آخر أكثر وجاهة يفرض على الديمقراطيين التصويت لصالح بومبيو: ليس إمكانية إبرام اتفاق مع بيونغ يانغ، وإنما الاتفاق الذي أبرمه باراك أوباما بالفعل مع طهران.
يأتي ذلك رغم أن الأمر قد يبدو متناقضاً، بالنظر إلى أن بومبيو كان من أقوى منتقدي هذا الاتفاق عندما كان عضواً في الكونغرس. الصيف الماضي، وفي إطار «حوار أسبين الأمني»، طرح بومبيو حجة مفادها أن إيران غير ملتزمة بصورة كاملة ببنود الاتفاق المبرم. وقد تعرض لانتقادات حادة جراء ذلك من جانب منظمات تقدمية عاونت في الضغط لتمرير الاتفاق النووي في عهد إدارة أوباما عام 2015.
إلا أن ذلك كان ينبغي أن يبث الطمأنينة في نفوس أعضاء الشيوخ عندما أعلن بومبيو، الأسبوع الماضي، أنه يميل نحو إصلاح الاتفاق النووي، بدلاً عن نسفه تماماً. كما أبدى تفضيله مسار المحادثات الأميركية ـ الأوروبية الجارية اليوم لتعزيز الاتفاق النووي عبر إزالة بنود انتهاء السريان، وتناول برنامج الصواريخ الإيراني وتعزيز بروتوكولات التفتيش على المواقع العسكرية المشتبه بها.
جدير بالذكر أنه بحلول 12 مايو (أيار)، سيتعين على ترمب اتخاذ قرار نهائي حيال إعادة فرض عقوبات مقيدة على طهران كان قد فرضها أوباما من قبل للضغط عليها للدخول في المفاوضات. وقد تحول هذا التاريخ إلى موعد نهائي أمام الجهود الدبلوماسية الأميركية ـ الأوروبية التي من المقرر أن يقودها بومبيو حال التصديق على تعيينه وزيراً للخارجية.
ويحق لنا التساؤل هنا إذا ما كان التحول الذي طرأ على موقف بومبيو نابعاً عن حسابات سياسية أم قناعة؟ وكانت هذه تحديداً النقطة التي أثارها السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز الأسبوع الماضي، عندما تساءل أي وجه لبومبيو سيتولى قيادة وزارة الخارجية: الذي أدلى بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية، أم الذي كان معارضاً قوياً للاتفاق النووي مع إيران عندما كان عضواً بالكونغرس؟
تجدر الإشارة إلى أن مينينديز أعلن، الأربعاء، أنه يصوّت ضد المرشح.
بيد أن هذا الموقف يغفل النقطة المهمة في الأمر؛ ذلك أن السبب الذي ينبغي أن يجعل مينينديز راغباً في تولي بومبيو قيادة وزارة الخارجية أن ترمب بالفعل يوليه ثقته. ولم يكن ذلك الحال مع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، الذي كان أقرب كثيراً إلى الديمقراطيين داخل مجلس الشيوخ بخصوص الاتفاق النووي عنه إلى ترمب. وقد تمكن تيلرسون من إرجاء قرار ترمب بخصوص عدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي. إلا أنه بمرور الوقت، فقد ثقة ترمب. ومن غير المحتمل أن ترمب كان لينصت له لو أن تيلرسون اقترح محاولة إصلاح الاتفاق النووي بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين.
أما تيلرسون، فلا تزال أمامه فرصة؛ ذلك أنه باعتباره أحد الصقور داخل إدارة ترمب الذين أيّدوا عدم التصديق على الاتفاق من قبل، يملك بومبيو مصداقية أكثر لدى ترمب حال التوصل لاتفاق، وبخاصة أن ترمب اختار بومبيو ليعاونه على التجهيز لقمة مع كوريا الشمالية.
كما أن هذا يضفي على بومبيو مصداقية أكبر أمام نظرائه الأوروبيين، فحتى الآن ساور القلق الأوروبيين، عن حق، بشأن أي مناقشات رفيعة المستوى يخوضونها مع الولايات المتحدة بخصوص إصلاح الاتفاق النووي مع إيران؛ نظراً لأن ترمب أظهر أنه بالفعل اتخذ قراره بهذا الشأن. مع وجود بومبيو، أصبح لديهم وسيط موثوق به بينهم وبين الرئيس الأميركي.
وأخيراً، فإن بومبيو ذاته يعي أوجه القصور بالاتفاق الإيراني أفضل عن أي شخص آخر في واشنطن. وعندما كان عضواً بالكونغرس، التقى دبلوماسيين ومصرفيين أوروبيين لإخطارهم بالمخاطر الجمة المرتبطة بالاستثمار في اقتصاد إيران الفاسد. وإذا كان هناك من بمقدوره إقناع الأوروبيين بتعزيز الاتفاق النووي، فإنه رجل تعمّق في تفاصيل العقوبات الأميركية وعمليات غسل الأموال الإيرانية.
ويعتبر ذلك أمراً في مصلحة الجميع. وحتى إذا لم يكن ترمب قد هدد قط بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما، تبقى الحقيقة أن هذا الاتفاق ظل قائماً على أساس غير ثابت. ولطالما ادعى الإيرانيون أن الاتفاق يعفي اقتصادهم تقريباً من جميع العقوبات الأميركية، حتى في وقت يطلق النظام الإيراني العنان لعملائه لنشر الفوضى في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. من ناحية أخرى، أصرت إدارة أوباما على أن الولايات المتحدة أمامها خيار معاقبة إيران عن سلوكها الرديء بعيداً عن الحقل النووي. ويعني ذلك، أنه عاجلاً أم آجلاً ستخضع طهران للحساب.
واليوم، ثمة فرصة على الأقل تلوح في الأفق لبناء الاتفاق النووي على أسس أقوى وتناول عيوبه، التي يتمثل أخطرها في بنود انتهاء السريان المتعلقة بالقيود المفروضة على مخزونات إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب ومنشآت التخصيب الصناعية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»