د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT
20

التأثير الجمعي

استمع إلى المقالة

عندما نشاهد مطعماً مملوءاً بالزبائن وآخر فارغاً، فمن المرجح أن يقع اختيارنا على المزدحم، على افتراض أنه الأفضل. قد يكون ذلك صحيحاً، وقد لا يعدو سوى خدعة تسويقية تسمى «التأثير الجمعي» أو Social Proof. فبعض المطاعم الجديدة تتعاقد مع شركات تملأ مطعمك بخليط من البشر منهم «المايكرو بلوغرز».

البروفيسور الأميركي، روبرت سيالديني، تعمّق في ظاهرة التأثير أو «الدليل الاجتماعي» في تغيير قناعات الناس وسلوكياتهم. فتبيّن له أننا نتغيّر بالفعل من دون الحاجة إلى كلام لفظي بالضرورة. مشكلتنا بصفتنا أمة شفهية أننا ما زلنا نعيش تحت تأثير «الكلام» مثل (صَلّ، وكُل، واشرب، وابتَسم، وافعل ولا تفعل)، وننسى أن هناك أيضاً تأثير القدوة الحسنة التي يقتدي بها الناس من دون تسطير مواعظ. فرُبّ فعل أبلغ من قول.

في التسويق، تظهر عبارة مؤثرة تحمل دهاءً صامتاً: «هذا المنتج أو هذه الغرفة يعاينها عشرون شخصاً غيرك في هذه اللحظة». عبارة ذكية خالية من صيغة الأمر التي نميل إليها بصفتنا عرباً، لكنها تدفعنا دفعاً إلى إتمام الصفقة قبل فوات الأوان. أما عبارة «الأكثر مبيعاً» فهي حيلة اجتماعية تقليدية؛ لكنها تُشعل فينا غريزة التنافس.

أمثلة التأثير الجمعي عديدة. في المسلسلات الكوميدية الأميركية، طالما أثارت استغرابي إضافة أصوات ضحكات الجمهور المسجلة، حتى أدركت أنها ترتكز على جذور علم الإقناع والتأثير. في أحد المقاهي الإنجليزية، سقط رجل تسعيني على قفاه، فتدفق أدرينالين المروءة العربي في أوصالي فهرعت لإنقاذه، لكنني وجدت نادلاً إيطالياً قد سبقني إليه. أما الإنجليز، الذين امتلأ بهم المقهى، فلم يحركوا ساكناً كعادتهم. تصرفهم كان نابعاً من ثقافة التريث الشديد قبل المساعدة خشية الدخول في ورطة هم في غنى عنها.

التأثير الجمعي يتجلّى، عندما يقف أحدنا على قارعة الطريق ليحدق ملياً في الطابق العلوي لناطحة سحاب. سيجد كل المارة يحذون حذوه في محاولة لمعرفة ما الذي نشاهده!

يصبح التأثير الجمعي أقوى حينما ينبع من أناس يشبهوننا، أو عند التعرّض لموقف محير، أو نجد أن الغالبية الساحقة تفعل ذلك السلوك، وإن كان فيه شيء من «عقلية القطيع».

دراسة سلوك البشر صارت علماً نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وقد مُنحت جائزة نوبل لمتخصص في الاقتصاد السلوكي، وهو دليل على أننا يمكن أن نفهم الشعوب ونغيّر سلوكياتها بحلول عديدة، ليس منها العنف والقسوة ومصادرة حريات الناس.