ميرزا الخويلدي
كاتب و صحفي سعودي
TT

المُعلّقون في «المعلقة»!

استمع إلى المقالة

لم يكن حال المحكّمين في مسابقة «المعلّقة» التي اختتمت قبل أيام موسمها الأول؛ أحسن حالاً من شيخهم النابغة الذبياني، حين يتقارب المتسابقون ويفيضون شعراً تنسكب منه أقداح البلاغة والبيان. في الماضي، قبل 70 سنة من الهجرة، كانت تُضرب للنابغة الذبياني قُبة حمراء من أدم، فيأتيه الشعراء ليعرضوا عليه أشعارهم، حيث كانت «عكاظ» موسماً سنوياً للشعر والأدب والتعريف بالشعراء وإجازة النوابغ ووضع موازين للقوافي ومعايير للأدب الرفيع، وانتخاب أفضل القصائد لتصبح من المعلقات.

لكنّ النابغة، المتصدي لنقد الشعر وتقييمه وإعطائه شهادة الجودة، ليس أشعر زمانه، فقد نصب النابغة لنفسه خيمة وجلس على مقعد التحكيم لأنه وجيه قومه، ولأنه يملك توزيع الهبات، وليس لأنه أشعر من أولئك الذين يفدون إليه بقصائدهم... في أحد «المواسم» حكم النابغة للأعشى، فجاءته الخنساء تُنشد رثاءها في أخيها صخر «قَذى بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ ... أمْ ذَرَّفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ»، فقال النابغة: «لولا أن أبا بصير (كُنية الأعشى) أنشدني قبلكِ لقلتُ إنكِ أشعر الناس!»، لكنَّ حسان كان حاضراً، فقال له: «أنا أشعر منك ومنها...»!

انتهى الموسم الأول من مسابقة «المعلقة» التي نظمتها وزارة الثقافة السعودية، وأضافت لها باقة جمالية عبر ضمها لمختلف الأشكال الشعرية المتنوعة في مسابقة واحدة، جمعت بين الشعر الفصيح وقصيدة النثر والشعر النبطي...

لكنّ المسابقة في تجربتها الأولى بحاجة إلى تقييم، وبحاجة أكبر إلى مراجعة، وإلى أن يصغي القائمون عليها (إن كان لها أن تستمر) لأصوات الناقدين قبل المؤيدين، وهذا لا يعني التجافي عن الصور الفنية والإبداعية التي رسمها الشعراء المشاركون.

وعند استعراض آراء النقاد في هذه المسابقة؛ كيف يمكن قراءة النقد الموجه إلى «المعلقة»، من الدكتور عبد الله الغذامي، الذي تساءل لـ«عكاظ»: هل نتائج «المعلقة» جاءت «لتكريس المكرّس أو تفويز الفائز؟».

عملياً كانت هناك مسابقة على أربع مراحل خاضها 36 شاعراً، توزعوا على 3 أقسام، كل قسم احتوى على 12 شاعراً، وانتهت إلى أن يفوز الفائز (فما الريب في ذلك).

الدكتور الغذامي رجّح رأياً جديداً، وهو أن «المسابقات الثقافية تهدف لاستكشاف مواهب جديدة تضاف لرصيد الثقافة وتقدمها المؤسسة بوصفها مؤسسة تتجه إلى المستقبل وتكشف عن العقول والإبداع ووجوه الإبداع»، وهذا لَعَمْري هو «التكريس» و«التفويز»...

لكن ثمة آراء أخرى، جديرة بالملاحظة، فالدكتور سعد البازعي (أستاذ آداب اللغة الإنجليزية والأدب المقارن)، بعد أن بارك للفائزين قال إنهم: «أثْروا المشهد الشعري بقصائد غنية بالمعنى والجمال وذكَّروا الجميع بأننا كنا وما زلنا في عصر الشعر الرفيع».

أما الدكتورة مستورة العرابي (أستاذ الأدب والنقد المشارك) فقالت إن «هناك سجلاً حافلاً بأسماء شعراء عبّروا عن قضايا الوطن لكنّ شعرهم اتسع ليحمل قيمة إنسانية أعمق، ومن ثمّ يمكن لقرَّاء أشعار لوركا والبردوني والثبيتي وجاسم الصحيح، وغيرهم، أن يشعروا بالامتنان لهم لما تمنحه أشعارهم من المعاني التي تفيض بالتضامن الإنساني وتعزّز القيمة الجمالية للنص».

الدكتور حسن النعمي (أستاذ السردية المعاصرة والمسرح)، قال: «نجح البرنامج في الجمع بين المختلف من التجارب ونجح في إحداث الترفيه وكسر الجمود، وتأكيد تجاور الفنون».

الشاعر محمد الدميني، بعد أن بارك للفائزين «على فوزهم المستحَقّ الذي أيّدته شهادات لجنة التحكيم، وهو فوزٌ لا يقلل من قيمة أسماء مستحقة لم تبلغ منصة التتويج». قال: «لكنني أظن أن قصيدة النثر قد نافست ببراعة وكرّست موقعها في فضائنا الشعري».

لكني أضمّ صوتي إلى الدكتور معجب العدواني (أستاذ النقد والنظرية) الذي رأى أن «النقد الموجَّه إلى برنامج (المعلقة)؛ في إجرائه وشعرائه وأعضاء في لجان تحكيمه ينبغي النظر إليه بصفته الاستشارية الإيجابية المُجدية، التي لا تستهدف قناة أو شاعراً أو معدّاً أو محكّماً، ينبغي النظر إليه من زاوية الإفادة من ملحوظات قُدمت، هدفها إصلاح البرنامج إنْ اتجه إلى دورة جديدة، ونبذ الإعادة لبعض الصيغ، التي قد تحتاج إلى تغيير، أو تلك التي تتوسل إلى تعديل. إهمال البرنامج للتفاعل مع ما طُرح من رؤى سيُعيد دوامة النقد مضاعفةً مع استهلاله».