عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

حجاب: لا نريد «صالح» آخر

في النزاعات دائمًا هناك أمل يرجى بالحسم العسكري أو الحل السياسي، حتى في سوريا. المعارضة السياسية السورية اجتمعت في لندن هذا الأسبوع، من خلال ذراعها المتخصصة (هيئة المفاوضات)، وأعلنت مشروعها ليتزامن مع النقاشات التي جرت في قمة الدول العشرين في الصين.
ولا أود أن أوحي بما ليس أكيدًا، بأن الأطراف اتفقت، ولم يتبق سوى التفاوض على المنفى الذي سيرسل إليه الرئيس السوري بشار الأسد، فمسار المفاوضات بقي محصورًا في النقاش حول بدء مفاوضات أخرى جديدة ضمن رؤية لا تزال غامضة.
وأهم ما سمعناه هو ما طرحه رياض حجاب، المنسق و«القائد» السياسي للمعارضة، وهنا أيضًا أحاول أن أبسط المسميات والتقسيمات المعقدة للمعارضة.
قال حجاب بصوت واضح، إن الحل، أي حل، يجب ألا يكون للأسد مكان فيه. وأورد مقاربة مهمة ومقنعة مستشهدًا باليمن والعراق. ذكّر الجميع، كيف أن الحل المائع الذي ترك للرئيس المبعد مكانًا أو مكانة هو الذي تسبب لاحقًا في خراب أعظم. ففي توقيع اتفاق إنهاء الأزمة في اليمن، وافقت الأطراف المعارضة على شرط الوسطاء بأن يخرج صالح من الحكومة، لكن يبقى في الحزب. النتيجة أن صالح استغل هذا الحق وعمل مع المعارضة الحوثية على التدخل في البداية بالتخريب سياسيا بفرض المحاصصة، ثم فعّل علاقته بقواته المسلحة مع ميليشيات الحوثيين ونفذوا مجتمعين انقلابهم، وهكذا دخل اليمن في أزمة أعظم، ومات خلق أكثر، ودمرت مؤسسات. والآن بسبب بقاء صالح في صنعاء صار الحل أصعب. المثال الثاني الذي أورده حجاب هو عن نوري المالكي الذي كان في سدة رئاسة الحكومة العراقية. فقد عطل الدولة لنحو عامين من أجل أن يهيمن عليها، ورفض الخروج عندما حل الموعد متذرعًا بالظروف الأمنية، ثم حاول أن يطبخ النتائج مستغلاً سلطاته ليبقى. وعندما أجمعت القوى العراقية ضده، وتدخلت القوى الدولية وهددته، انسحب، لكنه بقي في الظل يحتفظ بصلاحيات وميليشيات تحت مسميات مختلفة، ونجح في تهميش رئيس الوزراء البديل. اليوم نرى نتاجها، الفوضى في الساحة السياسية، وتعطيل شؤون الدولة، ودخول الإيرانيين في إدارة شؤون الحكم والعسكر. وقد لا يشابه الأسد المالكي في العراق في سوريا، لأن المالكي كان حاكمًا شرعيًا، لكن حالة صالح تشابه تمامًا الأسد. فقد ثار عليه اليمنيون في أنحاء البلاد، في مرحلة الربيع العربي، وكان هناك إجماع على تنحيته. الخطأ كان السماح له بالبقاء في اليمن والعمل.
حجاب محق عندما يخاف من تكرار النموذج اليمني، فالأسد إن بقي بأي صفة كانت، داخل النظام المقترح، أو حتى جلس على الأريكة في بيته يمضي وقته في مشاهدة التلفزيون، فإنه سيظل مصدر خطر. وهو قادر على تخريب الحل السياسي، ويملك مفاتيح كثيرة لتخريب الوضع، وبسببه ستستمر الحرب.
إذا كان هناك حل جاد من قبل الروس والأميركيين، عليهم أن يتفقوا أولاً على خروج الأسد، والبقية مجرد تفاصيل، مثل من يحكم، ومن ينتخب، والدستور، حيث إن الخلافات حولها باتت محدودة. فغالبية القوى السورية تقبل بنظام يضمن التعايش، ويؤمن حقوق الأقليات، ويقبل بمبدأ الاحتكام للصندوق الانتخابي.
وبقية تفاصيل الحل السياسي، كما قدمه حجاب بمراحله الثلاث، فإنه يعبر عن نضج المعارضة، واستعدادها للقبول بحل واقعي. وبالطبع يبقى مجرد أفكار ما لم تدعمه القوى الكبرى. ومن دون مثل هذا الحل فإن العالم سينتهي لاحقًا مضطرًا إلى الجلوس على الطاولة مع جماعات إرهابية، ويقبل بخروج الأسد وتسليم الحكم لجماعة مثل طالبان أفغانستان التي أصبحت مهيمنة. الأسد سيخرج متأخرًا والمعارضة السياسية تكون قد فقدت شعبيتها.
[email protected]