خالد محمود
TT

العرب والمواطن العالمي

لأننا نفهم السياسة بقلوبنا وعواطفنا، فقد أشعلنا في مجالسنا الخاصة وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، وعلى شاشات التلفزيون، حربا عالمية ثالثة، وتحمسنا كمواطنين روس يطالبون رئيسهم فيلاديمير بوتين بضرب تركيا بعد إسقاط الطائرتين.
البعض تصور نفسه من سكان موسكو أو من أقارب ضحايا الطائرة الروسية فوق سيناء، فبات يرفع شعار "الثأر ، أيها الدب الروسي".
هذا النموذج يتكرر، وستراه يتكرر تقريبا في كافة القضايا المطروحة للنقاش أو التي يتم اختلاقها من أجل جدل سفسطائي عقيم.
لدينا اهتمام مبالغ فيه في معظم الأحيان بما يجرى في الخارج، وعيوننا دائما معلقة على شاشات التلفزيون أو الهواتف الجوالة.
عندما وقعت أحداث فرنسا الدامية والمؤسفة، تبارى الكثيرون في وضع علمها على صفحاتهم، تعبيرا عن الملكية المبالغ فيها، فهم فرنسيون أكثر من الفرنسيين أنفسهم، حتى تصورت أن بعضهم من مواليد هذه الدولة.
الآخرون وضعوا أعلام بلدانهم للتأكيد على وطنيتهم، وكأن أحدا شكك فيها، أو كأنهم يراودهم الشك أساسا في أنفسهم...
رأيت علم فرنسا التي ارتكبت الفظائع في حق الشعوب العربية التي احتلت أراضيها يوما قبل بضعة عقود، على وجوه الكثيرين، ولم أر علم ليبيا التي يموت فيها يوميا المواطنون العزل بلا مبرر وتحت سمع وبصر العالم كله.
أن تتحول إلى مواطن عالمي فهذا أمر بات لا فكاك منه، بل ان بعضنا بات يعرف مثلا عن باريس ولندن أكثر مما يعرف عن مدينته هو أو حتى المدينة الأخرى المجاورة.
ان البعض منا لا يفكر أبدا كرجال سياسة ولا يتفهم الجغرافيا السياسية، ولا يعرف عن الأزمات سوى السطور التي يقرأها من متابعات مبتورة.
من المدهش، وربما من والمخجل أيضا أننا نتعاطف مع ضحايا العمليات الإرهابية في أوروبا، بينما نتعامل بحماس أقل مع ما يجرى في محيطنا العربي والاقليمي، وننسى معظم الوقت أن ثمة أنظمة في أوروبا أيديها ملطخة بدمائنا، وأن ثمة حكومات بعينها هناك تدعم الإرهاب وتموله بشكل أو بآخر.
سيقول الأوروبيون ما عبرت عنه الحكومة البريطانية مؤخرا ، بأنها لا ترى على سبيل المثال أن لدى مصر حقا في اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب.
سيطالبوننا بالمصالحة الوهمية مع تنظيمات إرهابية، نحن فقط من اكتوينا بنيرانها، ونحن وحدنا من يدفع ثمن سكوت حكومات أوروبا على اتاحة الفرصة لقيادات الإخوان وغيرهم من المتطرفين، لممارسة أنشطتهم الارهابية من على أراضيها.
نحن ننسى كل ذلك، ولا نريد أن نتذكر سوى النموذج الأوروبي البديع والرائع، هذه الديمقراطيات النموذجية التي تلهب حماس معظم مفكرينا ومثقفينا، بينما هي في الواقع غارقة حتى النخاع في دعم الإرهاب في بلادنا.
نحن العرب أزمتنا الحقيقية هي أنفسنا وطريقة تفكيرنا.