تورتة بالرنجة والتونة... وتارت بالفسيخ والبصارة

المصري خالد حنفي يعصرن التراث الغذائي

تورتة اللحوم الباردة (الشرق الأوسط)
تورتة اللحوم الباردة (الشرق الأوسط)
TT

تورتة بالرنجة والتونة... وتارت بالفسيخ والبصارة

تورتة اللحوم الباردة (الشرق الأوسط)
تورتة اللحوم الباردة (الشرق الأوسط)

كيف للأسماك المملحة أن تتداخل بين طيات تورتة ناعمة تعلوها حبات من الجمبري؟ وبأي مبرر أُدخلت البصارة والطعمية بين شرائح التارت، هكذا اعتمد المصري خالد حنفي، مشروعه «Craftsman - Creamy bites» قاصداً العمل على تقديم التراث الغذائي المصري، بصورة عصرية.

فبعد قرابة 35 سنة من العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الهندسة، قرر حنفي، إطلاق مشروعه في مجال الطعام لإشباع شغفه بالطهي، وخصوصاً في هذه النوعية من الكيك الحادق، كما يقول: «قد تكون الفكرة غريبة، لكنها مميزة».

ويرى أنه حين «تتصدر تورتة من الجمبري أو السلمون المدخن (Saumon Fume) بشكلها الجميل مائدتك فإن مذاقها سيبهرك».

ولم يخف حنفي غرابة الفكرة، بالنسبة للبعض، لكنه قال إن «الطلب تزايد على منتجاته»، «نعم التورتة الحادقة ليست واسعة الانتشار في مصر، لكنها موجودة، في نطاق محدود».

المهندس المصري خالد حنفي (الشرق الأوسط)

ويلفت إلى أنه توسع في الأفكار والمكونات، وجعلها في متناول الجميع، وليست فئة واحدة، عبر تقديمها بمكونات متنوعة، وليس مكون واحد فاخر ومرتفع الثمن.

ويستعرض حنفي قائمة، من بينها: تورتة الجمبري بالتوست والجبن الكريمي، وتورتة السلمون، فضلاً عن تورتة الرنجة والتونة، وتورتة اللحوم الباردة، بجانب مجموعة متنوعة من التارت بالمكونات البحرية، وفي محاولة لربط القديم بالجديد وتقديم تراث بلده الغذائي في صورة عصرية على حد تعبيره، يقدم التارت بالفول والبصارة والطعمية.

تورتة بالتونة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقدم الطعام المصري التقليدي في صورة حديثة، ليتناوله الجيل الجديد بشكل مختلف، فلا يشترط أن تتناول ساندويتشات الفول والطعمية أو طبق البصارة من أحد مطاعم (التيك أواي)، إنما تستطيع أن تتناولها في تارت لذيذ»، متابعاً: «هكذا، لا ينفصل الشباب عن إرثهم الغذائي، كما أنه يصبح أمام الكبار طرق جديدة يكسرون بها النمطية في غذائهم ويضيفون المختلف إلى ثقافتهم».

ويقدم حنفي الرنجة والفسيخ في التارت: «ربما لا يقبل كثيرون على تناول هذه الأسماك المملحة التي تعود إلى الحضارة المصرية، وقد يشعرون بالنفور منها، بسبب صعوبة تحضيرها، لكنهم من خلال هذه التارت يجدون الأمر مقبولاً، ويستطيعون الاستمتاع بمذاقها».

كان حبه للطهي يدفعه إلى ابتكار أطباق ذات تنسيق مميز وأسلوب تقديم خاص في وقت فراغه أو عند استقبال ضيف عزيز، يقول حنفي: «زاد من ثقافتي في هذا المجال أن طبيعة عملي كانت تحتم عليّ كثرة السفر، ما جعلني أغوص في مطابخ العالم، ولا سيما أوروبا وأميركا، كما أنني تعلمت كثيراً من برنامج الشيف أسامة السيد، الذي كان يحتفي للغاية بتركيب المكونات معاً».

تارت بمكونات ومذاقات مختلفة (الشرق الأوسط)

يحضّر حنفي كل مكونات التورت في المنزل يدوياً بقدر الإمكان، حيث لا يشتري شيئاً سوى الخامات الأساسية، فهو يخبز التوست، وبعد محاولات طويلة وصل إلى درجة الإتقان التي توفر له منتجاً بالمواصفات التي يريدها، وهي أن يكون هشاً، وقابلاً للتقطيع مثل الكيك.

«حتى الجبن، كنت أشتريها جاهزة، ومع الوقت أصبحت أحضر كل المكونات يدوياً في المنزل، لأنها تكون ذات جودة أعلى ومذاق أفضل»، بحسب حنفي.

تورتة السلمون المدخن (الشرق الأوسط)

ويرى أنه على من يبحث عن التجديد والابتكار في مطبخه أن يراعي 3 عوامل رئيسية؛ الأول عدم الاعتماد على الصنعة وحدها، إذ ينبغي الحرص على حسن اختيار جودة المكونات والمواد الخام المستخدمة، لأن العناصر الرديئة تفسد المذاق وتؤثر على نكهته.

أما العامل الثاني فهو إجادة تركيب الأطعمة، حيث أنصح أي شخص يدخل المطبخ أن يجرب اللعب بالمكونات، حتى يتقن صنع تركيبات حسنة المذاق، وهو شيء يصل إليه عبر التزود بثقافة الغذاء والمحاولات المستمرة.

تارت بالطعمية والفول والبصارة من الإرث الغذائي المصري بلغة عصرية (الشرق الأوسط)

والعامل الثالث الذي ينصح به حنفي، ضرورة أن يتمتع الطعام بالملمس الناعم مع القاسي أو «الهارد» و«الكرانشي» حيث يتمتع من يتذوقه بثراء طعمه، ما بين الناعم والمقرمش. إلى الآن، يدير حنفي مشروعه بمساعدة زوجته من المنزل، لكنه يستعد لافتتاح مطعم قريباً يتخصص في الأصناف الحادقة.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».